ثم دخلت سنة تسع وأربعين
فيها كان مشتى مالك بن هبيرة بأرض الروم . وفيها كانت غزوة جربة وشتا بها ، وفتحت على يده ، وأصاب فيها شيئا كثيرا وفيها كانت صائفة فضالة بن عبيد عبد الله بن كرز البجلي . وفيها كانت غزوة في البحر فشتا بأهل يزيد بن شجرة الرهاوي الشام . وفيها كانت غزوة البحر فشتا بأهل عقبة بن نافع مصر .
ذكر القسطنطينية غزوة
في هذه السنة ، وقيل :
سنة خمسين ، سير معاوية جيشا كثيفا إلى بلاد الروم للغزاة وجعل عليهم سفيان بن عوف وأمر ابنه يزيد بالغزاة معهم ، فتثاقل واعتل ، فأمسك عنه أبوه ، فأصاب الناس في غزاتهم جوع ومرض شديد ، فأنشأ يزيد يقول :
ما إن أبالي بما لاقت جموعهم بالغزقذونة من حمى ومن موم [ ص: 57 ] إذا اتكأت على الأنماط مرتفقا
بدير مران عندي أم كلثوم
وأم كلثوم امرأته ، وهي ابنة عبد الله بن عامر .
فبلغ معاوية شعره فأقسم عليه ليلحقن بسفيان إلى أرض الروم ليصيبه ما أصاب الناس ، فسار ومعه جمع كثير أضافهم إليه أبوه ، وكان في هذا الجيش ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وغيرهم وأبو أيوب الأنصاري وعبد العزيز بن زرارة الكلابي ، فأوغلوا في بلاد الروم حتى بلغوا القسطنطينية ، فاقتتل المسلمون والروم في بعض الأيام واشتدت الحرب بينهم ، فلم يزل عبد العزيز يتعرض للشهادة فلم يقتل ، فأنشأ يقول :
قد عشت في الدهر أطوارا على طرق شتى فصادفت منها اللين والبشعا
كلا بلوت فلا النعماء تبطرني ولا تجشمت من لأوائها جزعا
لا يملأ الأمر صدري قبل موقعه ولا أضيق به ذرعا إذا وقعا
ثم حمل على من يليه فقتل فيهم وانغمس بينهم ، فشجره الروم برماحهم حتى قتلوه ، رحمه الله ، فبلغ خبر قتله معاوية فقال لأبيه :
والله هلك فتى العرب ! فقال : ابني أو ابنك ؟ قال : ابنك ، فآجرك الله . فقال :
فإن يكن الموت أودى به وأصبح مخ الكلابي زيرا
فكل فتى شارب كأسه فإما صغيرا وإما كبيرا
ثم رجع يزيد والجيش إلى الشام وقد توفي عند أبو أيوب الأنصاري القسطنطينية فدفن بالقرب من سورها ، فأهلها يستسقون به ، وكان قد شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشهد صفين مع علي وغيرها من حروبه .
[ ص: 58 ] ذكر مروان عن المدينة وولاية سعيد عزل
وفيها عزل معاوية عن مروان بن الحكم المدينة في ربيع الأول وأمر عليها ( في ربيع الآخر ، وقيل : في ربيع الأول ) ، وكانت ولاية سعيد بن العاص مروان كلها بالمدينة لمعاوية ثماني سنين وشهرين ، وكان على قضاء المدينة ، فعزله عبد الله بن الحارث بن نوفل سعيد حين ولي ، واستقضى . أبا سلمة بن عبد الرحمن
ذكر الحسن بن علي بن أبي طالب ، عليه السلام وفاة
في هذه السنة توفي الحسن بن علي ، سمته زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي ، ووصى أن يدفن عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أن تخاف فتنة فينقل إلى مقابر المسلمين ، فاستأذن الحسين عائشة فأذنت له ، فلما توفي أرادوا دفنه عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلم يعرض إليهم ، وهو الأمير ، فقام سعيد بن العاص وجمع مروان بن الحكم بني أمية وشيعتهم ومنع عن ذلك ، فأراد الحسين الامتناع فقيل له : إن أخاك قال : إذا خفتم الفتنة ففي مقابر المسلمين ، وهذه فتنة . فسكت ، وصلى عليه ، فقال له سعيد بن العاص الحسين : لولا أنه سنة لما تركتك تصلي عليه .