ثم دخلت سنة سبع وستين وأربعمائة .
ذكر وذكر بعض سيرته القائم بأمر الله . وفاة
في هذه السنة ، ليلة الخميس ثالث عشر شعبان ، توفي أمير المؤمنين ، رضي الله عنه ، واسمه القائم بأمر الله عبد الله أبو جعفر بن القادر بالله أبي العباس أحمد بن الأمير إسحاق بن المقتدر بالله أبي الفضل بن المعتضد بالله أبي العباس أحمد .
وكان سبب موته أنه قد أصابه شرى ، فافتصد ، ونام منفردا ، فانفجر فصاده ، وخرج منه دم كثير ولم يشعر ، فاستيقظ وقد ضعف وسقطت قوته ، فأيقن بالموت ، فأحضر ولي العهد ، ووصاه بوصايا ، وأحضر النقيبين وقاضي القضاة وغيرهم مع الوزير ابن جهير ، وأشهدهم على نفسه أنه جعل ابن ابنه أبا القاسم عبد الله بن محمد بن القائم بأمر الله ولي عهده .
ولما توفي غسله الشريف أبو جعفر بن أبي موسى الهاشمي ، وصلى عليه . المقتدي بأمر الله
وكان عمره ستا وسبعين سنة وثلاثة أشهر وخمسة أيام ، وخلافته أربعا وأربعين سنة وثمانية أشهر وأياما ، وقيل كان مولده ثامن عشر ذي [ ص: 252 ] الحجة سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة ، ( وعلى هذا يكون عمره ستا وسبعين سنة وتسعة أشهر وخمسة وعشرين يوما .
وأمه أم ولد تسمى قطر الندى ، أرمنية ، وقيل رومية ، أدركت خلافته ، وقيل اسمها علم . وماتت في رجب سنة اثنين وخمسين وأربعمائة .
وكان القائم جميلا ، مليح الوجه ، أبيض ، مشربا حمرة ، حسن الجسم ، ورعا ، دينا ، زاهدا ، عالما قوي اليقين بالله تعالى ، كثير الصبر ، وكان للقائم عناية بالأدب ، ومعرفة حسنة بالكتابة ، ولم يكن يرتضي أكثر ما يكتب من الديوان ، فكان يصلح فيه أشياء ، وكان مؤثرا للعدل والإنصاف يريد قضاء حوائج الناس ، لا يرى المنع من شيء يطلب منه .
قال محمد بن علي بن عامر الوكيل : دخلت يوما إلى المخزن ، فلم يبق أحد إلا أعطاني قصة ، فامتلأت أكمامي منها ، فقلت في نفسي : لو كان الخليفة أخي لأعرض عن هذه كلها ، فألقيتها في بركة ، والقائم ينظر ولا أشعر ، فلما دخلت إليه أمر الخدم بإخراج الرقاع من البركة ، فأخرجت ، ووقف عليها ، ووقع فيها بأغراض أصحابها ، ثم قال لي : ما حملك على هذا ؟ فقلت : خوف الضجر منها ، فقال : لا تعد إلى مثلها ! فإنا ما أعطيناهم من أموالنا شيئا ، إنما نحن وكلاء .
ووزر للقائم أبو طالب محمد بن أيوب ، وأبو الفتح بن دارست ، ورئيس الرؤساء ، وأبو نصر بن جهير ، وكان قاضيه ، ابن ماكولا . وأبو عبد الله الدامغاني
ذكر المقتدي بأمر الله . خلافة
لما توفي بويع القائم بأمر الله بالخلافة ، وحضر المقتدي بأمر الله بن محمد بن القائم ، والوزير مؤيد الملك بن نظام الملك فخر الدولة بن جهير وابنه [ ص: 253 ] عميد الدولة ، والشيخ أبو إسحاق ، ، ونقيب النقباء وأبو نصر بن الصباغ طراد ، والنقيب الطاهر المعمر بن محمد ، ، وغيرهم من الأعيان والأماثل ، فبايعوه . وقاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني
وقيل : كان أول من بايعه الشريف أبو جعفر بن أبي موسى الهاشمي ، فإنه لما فرغ من غسل القائم بايعه ، وأنشده :
إذا سيد منا مضى قام سيد
ثم أرتج عليه ، فقال المقتدي :
قئول بما قال الكرام فعول
فلما فرغوا من البيعة صلى بهم العصر .
ولم يكن للقائم من أعقابه ذكر سواه ، فإن الذخيرة أبا العباس محمد بن القائم توفي أيام أبيه ولم يكن له غيره ، فأيقن الناس بانقراض نسله ، وانتقال الخلافة من البيت القادري إلى غيره ، ولم يشكوا في اختلال الأحوال بعد القائم ، لأن من عدا البيت القادري كانوا يخالطون العامة في البلد ، ويجرون مجرى السوقة ، فلو اضطر الناس إلى خلافة أحدهم لم يكن له ذلك القبول ، ولا تلك الهيبة ، فقدر الله تعالى أن الذخيرة أبا العباس كان له جارية اسمها أرجوان ، وكان يلم بها ، فلما توفي ورأت ما نال القائم من المصيبة واستعظمه من انقراض عقبه ، ذكرت أنها حامل ، فتعلقت النفوس بذلك ، فولدت بعد موت سيدها بستة أشهر المقتدي ، فاشتد فرح القائم ، وعظم سروره وبالغ [ في ] الإشفاق عليه والمحبة له .
فلما كانت حادثة البساسيري كان للمقتدي قريب أربع سنين ، فأخفاه أهله ، وحمله أبو الغنائم بن المحلبان إلى حران ، كما ذكرنا ولما عاد القائم إلى بغداذ أعيد المقتدي إليه . فلما بلغ الحلم جعله ولي عهد ، ولما ولي الخلافة أقر فخر الدولة [ ص: 254 ] بن جهير على وزارته بوصية من القائم بذلك ، وسير عميد الدولة بن فخر الدولة بن جهير إلى لأخذ البيعة ، وكان مسيره في شهر رمضان ، وأرسل معه من أنواع الهدايا ما يجل عن الوصف . السلطان ملكشاه
ذكر عدة حوادث .
في هذه السنة ، في شوال ، وقعت نار ببغداذ في دكان خباز بنهر المعلى ، فاحترقت من السوق مائة وثمانون دكانا سوى الدور ، ثم وقعت نار في المأمونية ، ثم في الظفرية ، ثم في درب المطبخ ، ثم في دار الخليفة ، ثم في حمام السمرقندي ، ثم في باب الأزج ودرب خراسان ، ثم في الجانب الغربي في نهر طابق ، ونهر القلائين ، والقطيعة ، وباب البصرة ، واحترق ما لا يحصى .
وفيها أرسل ، صاحب المستنصر بالله العلوي مصر ، إلى صاحب مكة رسالة وهدية جلية ، وطلب منه أن يعيد الخطبة ابن أبي هاشم بمكة حرسها الله تعالى ، وقال : إن أيمانك وعهودك كانت للقائم ، وللسلطان ألب أرسلان ، وقد ماتا ، فخطب له بمكة وقطع خطبة المقتدي ، وكانت مدة الخطبة العباسية بمكة أربع سنين وخمسة أشهر ، ثم أعيدت في ذي الحجة سنة ثمان وستين [ وأربعمائة ] .
[ ص: 255 ] وفيها كانت الحرب شديدة بين بني رياح وزغبة ببلاد إفريقية ، فقويت بنو رياح على زغبة فهزموهم وأخرجوهم عن البلاد .
وفيها جمع نظام الملك ، والسلطان ملكشاه ، جماعة من أعيان المنجمين ، وجعلوا النيروز أول نقطة من الحمل ، وكان النيروز قبل ذلك عند حلول الشمس نصف الحوت . وصار ما فعله السلطان مبدأ التقاويم .
وفيها أيضا عمل الرصد ، واجتمع جماعة من أعيان المنجمين في عمله منهم : للسلطان ملكشاه عمر بن إبراهيم الخيامي ، وأبو المظفر الإسفزاري وميمون بن النجيب الواسطي ، وغيرهم ، وخرج عليه من الأموال شيء عظيم ، وبقي الرصد دائرا إلى أن مات السلطان سنة خمس وثمانين وأربعمائة ، فبطل ( بعد موته ) .