ثم دخلت سنة سبع وسبعين وأربعمائة .
ذكر فخر الدولة بن جهير وابن مروان وشرف الدولة . الحرب بين
قد تقدم ذكر مسير فخر الدولة بن جهير في العساكر السلطانية إلى ديار بكر ، فلما كانت هذه السنة سير السلطان إليه أيضا جيشا فيهم الأمير أرتق بن أكسب ، وأمرهم بمساعدته .
وكان ابن مروان قد مضى إلى شرف الدولة وسأله نصرته على أن يسلم إليه آمد ، وحلف كل واحد لصاحبه ، وكل منهما يرى أن صاحبه كاذب لما كان بينهما من العداوة المستحكمة ، واجتمعا على حرب فخر الدولة ، وسارا إلى آمد ، وقد نزل فخر الدولة بنواحيها ، فلما رأى فخر الدولة اجتماعهما مال إلى الصلح ، وقال : لا أوثر أن يحل بالعرب بلاء على يدي . فعرف التركمان ما عزم عليه ، فركبوا ليلا وأتوا إلى العرب وأحاطوا بهم في ربيع الأول ، والتحم القتال واشتد ، فانهزمت العرب ، ولم يحضر هذه الوقعة الوزير فخر الدولة ، ولا أرتق ، وغنم التركمان حلل العرب ودوابهم ، وانهزم شرف الدولة ، وحمى نفسه حتى وصل إلى فصيل آمد ، وحصره فخر الدولة ومن معه . فلما رأى شرف الدولة أنه محصور خاف على نفسه ، فراسل الأمير أرتق ، وبذل له مالا ، وسأله أن يمن عليه بنفسه ، ويمكنه من الخروج من آمد ، وكان هو على حفظ الطرق والحصار ، فلما سمع أرتق ما بذل له شرف الدولة أذن له في الخروج ، فخرج منها في الحادي والعشرين من ربيع الأول ، وقصد الرقة ، وأرسل إلى أرتق بما كان [ ص: 291 ] وعده به ، وسار ابن جهير إلى ميافارقين ومعه من الأمراء بهاء الدولة منصور بن مزيد ، وابنه ، ففارقوه وعادوا إلى سيف الدولة صدقة العراق ، وسار فخر الدولة إلى خلاط .
ولما استولى العسكر السلطاني على حلل العرب ، وغنموا أموالهم ، وسبوا حريمهم ، بذل الأموال ، وافتك أسرى سيف الدولة صدقة بن منصور بن مزيد بني عقيل ونساءهم وأولادهم وجهزهم جميعهم وردهم إلى بلادهم ، ففعل أمرا عظيما ، وأسدى مكرمة شريفة ، ومدحه الشعراء في ذلك فأكثروا ، فمنهم محمد بن خليفة السنبسي يذكر ذلك في قصيدة :
كما أحرزت شكر بني عقيل بآمد يوم كظهم الحذار غداة رمتهم الأتراك طرا
بشهب في حوافلها ازورار فما جبنوا ، ولكن فاض بحر
عظيم لا تقاومه البحار فحين تنازلوا تحت المنايا
وفيهن الرزية والدمار مننت عليهم ، وفككت عنهم
وفي أثناء حبلهم انتشار ولولا أنت لم ينفك منهم
أسير حين أعلقه الإسار
في أبيات كثيرة ، وذكرها أيضا البندنيجي فأحسن ، ولولا خوف التطويل لذكرت أبياته .