ثم دخلت سنة تسع ومائة
ذكر خالد وأخيه أسد عن خراسان وولاية أشرس عزل
قيل : وفي هذه السنة عزل : هشام بن عبد الملك خالد بن عبد الله ، وأخاه عن خراسان .
وسبب ذلك أن أسدا تعصب حتى أفسد الناس ، وضرب ونفرا معه بالسياط ، منهم : نصر بن سيار عبد الرحمن بن نعيم ، وسورة بن الحر ، والبختري بن أبي درهم ، وعامر بن مالك الحماني ، وحلقهم وسيرهم إلى أخيه خالد ، وكتب إليه : إنهم أرادوا الوثوب بي . فلما قدموا على خالد لام أسدا ، وعنفه ، وقال : ألا بعث إلي برءوسهم ؟ فقال نصر :
بعثت بالعتاب في غير ذنب في كتاب تلوم أم تميم إن أكن موثقا أسيرا لديهم
في هموم وكربة وسهوم رهن قسر فما وجدت بلاء
كإسار الكرام عند اللئيم أبلغ المدعين قسرا وقسر
أهل عود القناة ذات الوصوم هل فطمتم عن الخيانة والغد ر
أم أنتم كالحاكر المستديم
أخالد لولا الله لم تعط طاعة ولولا بنو مروان لم يوثقوا نصرا
إذا للقيتم عند شد وثاقه بني الحرب لا كشف اللقاء ولا ضجرا
فبلغ فعله ، فكتب إلى هشام بن عبد الملك خالد : اعزل أخاك ، فعزله ، فرجع إلى العراق في رمضان سنة تسع ومائة ، واستخلف على خراسان الحكم بن عوانة الكلبي ، فأقام الحكم صيفية فلم يغز ، ثم استعمل هشام أشرس بن عبد الله السلمي على خراسان ، وأمره أن يكاتب خالدا . وكان أشرس فاضلا خيرا ، وكانوا يسمونه الكامل لفضله ، فلما قدم خراسان فرحوا به ، واستقضى أبا المنازل الكندي ، ثم عزله واستقضى محمد بن زيد .
ذكر دعاة بني العباس
قيل : أول من قدم خراسان من دعاة بني العباس زياد أبو محمد مولى همدان في ولاية أسد ، بعثه محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ، وقال له : انزل في اليمن وألطف مضر ، ونهاه عن رجل من نيسابور ، يقال له : غالب لأنه كان مفرطا في حب بني فاطمة ، ويقال : أول من أتى خراسان بكتاب محمد بن علي حرب بن عثمان مولى بني قيس بن ثعلبة من أهل بلخ ، فلما قدم زياد دعا إلى بني العباس ، وذكر سيرة بني أمية وظلمهم ، وأطعم الناس الطعام ، وقدم عليه غالب ، وتناظرا في تفضيل آل علي وآل العباس ، وافترقا ، وأقام زياد بمرو شتوة و [ كان ] يختلف إليه من أهلها يحيى بن عقيل الخزاعي ، وغيره .
فأخبر به أسد ، فدعاه ، وقال له : ما هذا الذي بلغني عنك ؟ قال : الباطل ، إنما قدمت إلى تجارة وقد فرقت مالي على الناس ، فإذا اجتمع خرجت . فقال له أسد : اخرج عن بلادي . فانصرف ، فعاد إلى أمره ، فرفع أمره إلى أسد ، وخوف من جانبه ، فأحضره ، وقتله ، وقتل معه عشرة من أهل الكوفة ، ولم ينج منهم إلا غلامان استصغرهما ، وقيل : بل أمر بزياد أن يوسط بالسيف ، فضربوه بالسيف فلم يعمل فيه ، فكبر الناس ، فقال أسد : ما هذا ؟ قيل : نبا السيف عنه ، ثم ضرب أخرى فنبا السيف عنه ، ثم ضربه الثالثة فقطعه [ ص: 186 ] باثنتين ، وعرض البراءة على أصحابه ، فمن تبرأ خلى سبيله ، فتبرأ اثنان ، فتركا ، وأبى البراءة ثمانية ، فقتلوا .
فلما كان الغد أقبل أحدهما إلى أسد ، فقال : أسألك أن تلحقني بأصحابي ، فقتله ، وذلك قبل الأضحى بأربعة أيام ، ثم قدم بعدهم رجل من أهل الكوفة يسمى كثيرا ، فنزل على أبي النجم ، وكان يأتيه الذين لقوا زيادا ، فكان على ذلك سنة أو سنتين ، وكان أميا ، فقدم عليه خداش ، واسمه عمارة غلب عليه خداش ، فغلب كثيرا على أمره .
وقيل في أمر الدعاة ما تقدم .
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة عبد الله بن عقبة الفهري في البحر ، وغزا غزا معاوية بن هشام أرض الروم ، ففتح حصنا يقال له طيبة ، فأصيب معه قوم من أهل أنطاكية .
وفيها عمر بن يزيد الأسيدي ، قتله قتل مالك بن المنذر بن الجارود ، وسبب قتله أنه أبلى في قتال ، فقال يزيد بن المهلب : هذا رجل يزيد بن عبد الملك العراق . فغاظ ذلك خالد بن عبد الله ، وأمر مالك بن المنذر ، وهو على شرط البصرة ، أن يعظمه ولا يعصي له أمرا ، وأقبل يطلب له عثرة يقتله بها ، فذكر مالك بن المنذر عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر ، فافترى عليه ، فقال عمر بن يزيد : لا تفتر على مثل عبد الأعلى . فأغلظ له مالك ، وضربه بالسياط حتى قتله .
( الأسيدي : بضم الهمزة ، وتشديد الياء تحتها نقطتان ) .
وفيها مسلمة بن عبد الملك الترك من ناحية أذربيجان ، فغنم وسبى وعاد سالما . غزا
[ ص: 187 ] وحج بالناس هذه السنة إبراهيم بن هشام ، فخطب الناس فقال : اسألوني فإنكم لا تسألون أحدا أعلم مني . فسأله رجل من أهل العراق عن الأضحية : أواجبة هي ؟ فما درى ما يقول ، فنزل ، وكان هو العامل على المدينة ومكة والطائف ، وكان على البصرة والكوفة ، وكان قد استخلف على الصلاة خالد بن عبد الله القسري بالبصرة أبان بن ضبارة اليزبي ، وعلى الشرطة بها بلال بن أبي بردة ، وعلى قضائها ، وعلى ثمامة بن عبد الله بن أنس خراسان أشرس .
[ الوفيات ]
وفي هذه السنة ، وفيها غزا مات أبو مجلز لاحق بن حميد البصري بشر بن صفوان عامل إفريقية جزيرة صقلية ، فغنم شيئا كثيرا ثم رجع من غزاته إلى القيروان وتوفي بها من سنتها ، ( فاستعمل هشام بعده عبيدة بن عبد الرحمن بن أبي الأغر السلمي ، فعزل عبيدة يحيى بن سلمة الكلبي عن الأندلس ، واستعمل حذيفة بن الأحوص الأشجعي ، فقدم الأندلس في ربيع الأول سنة عشر ومائة ، فبقي واليا عليها ستة أشهر ثم عزل ، ووليها عثمان بن أبي نسعة الخثعمي .