[ ص: 550 ] 211
ثم دخلت سنة إحدى عشرة ومائتين
وفي هذه السنة عبيد الله بن السري بغداذ ، وأنزل مدينة المنصور ، وأقام ابن طاهر بمصر واليا عليها وعلى أدخل الشام والجزيرة ، وقال للمأمون بعض إخوته : إن يميل إلى ولد عبد الله بن طاهر ، وكذا كان أبوه قبله . فأنكر علي بن أبي طالب ذلك ، فعاوده أخوه ، فوضع المأمون رجلا قال له : امش في هيئة القراء والنساك إلى مصر ، فادع جماعة من كبرائها إلى المأمون القاسم بن إبراهيم بن طباطبا ، ثم صر إلى فادعه إليه ، واذكر له مناقبه ، ورغبه فيه ، وابحث عن باطنه ، وأتني بما تسمع . عبد الله بن طاهر
ففعل الرجل ذلك ، فاستجاب له جماعة من أعيانه ، فقعد بباب ، فلما ركب قام إليه فأعطاه رقعة ، فلما عاد إلى منزله أحضره قال : قد فهمت ما في رقعتك ، فهات ما عندك ! فقال : ولي أمانك ؟ قال : نعم ! فدعاه إلى عبد الله بن طاهر القاسم ، وذكر فضله وزهده وعلمه .
فقال عبد الله : أتنصفني ؟ قال : نعم ! قال : هل يجب شكر الله على العباد ؟ قال : نعم . قال : فتجيء إلي وأنا في هذه الحال لي خاتم في المشرق جائز ، وخاتم في المغرب جائز ، وفيما بينهما أمري مطاع ، ثم ما ألتفت عن يميني ولا شمالي ، وورائي وأمامي إلا رأيت نعمة لرجل أنعمها علي ، ومنة ختم بها رقبتي ، ويدا لائحة بيضاء ابتدأني بها تفضلا وكرما ، تدعوني إلى أن أكفر بهذه النعم وهذا الإحسان ، وتقول : اغدر بمن كان أولى لهذا وأحرى ، واسع ( في إزالة خيط عنقه ) ، وسفك دمه ، تراك لو دعوتني إلى الجنة عيانا أكان الله يحب أن أغدر به ، وأكفر إحسانه ، وأنكث بيعته ؟
فسكت الرجل ، فقال له عبد الله : ما أخاف عليك إلا نفسك ، فارحل عن هذا البلد ، فإن السلطان الأعظم إن بلغه ذلك كنت الجاني على نفسك ونفس غيرك .
[ ص: 551 ] فلما أيس منه جاء إلى فأخبره ، فاستبشر وقال : ذلك غرس يدي ، وإلف أدبي ، وترب تلقيحي . ولم يظهر ذلك ، ولا علمه المأمون إلا بعد موت ابن طاهر ، وكان هذا القائل المأمون للمأمون المعتصم ، فإنه كان منحرفا عن عبد الله .