ثم دخلت سنة تسع وتسعين ومائتين
ذكر ابن الفرات ووزارة الخاقاني القبض على
في هذه السنة قبض المقتدر على في ذي الحجة ، وكان قد ظهر ، قبل القبض عليه بمدة ( يسيرة ) ، ثلاثة كواكب مذنبة ، أحدها ظهر آخر رمضان في برج الأسد ، والآخر ظهر في ذي القعدة في المشرق ، والثالث ظهر في المغرب في ذي القعدة أيضا في برج العقرب . الوزير أبي الحسن بن الفرات
ولما قبض على الوزير وكل بداره ، وهتك حرمه ، ونهب ماله ، ونهبت دور أصحابه ومن يتعلق بهم ، وافتتنت بغداذ لقبضه ، ولقي الناس شدة ثلاثة أيام ، ثم سكنوا .
وكانت مدة وزارته هذه ، وهي الوزارة الأولى ، ثلاث سنين وثمانية أشهر وثلاثة عشر يوما ، وقلد أبو علي محمد بن ( يحيى بن عبيد الله بن ) يحيى بن خاقان الوزارة ، فرتب أصحاب الدواوين ، وتولى مناظرة ابن الفرات أبو الحسين أحمد بن يحيى بن أبي البغل ، وكان أخوه أبو الحسن بن أبي البغل مقيما بأصبهان ، فسعى أخوه له في الوزارة هو وأم موسى القهرمانة ، فأذن المقتدر في حضوره ليتولى الوزارة ، فحضر ، فلما بلغ ذلك [ ص: 613 ] الخاقاني انحلت أموره ، فدخل على الخليفة ( وأخبره بذلك ) ، فأمره بالقبض على أبي الحسن ( وأبي الحسين أخيه ، فقبض على أبي الحسن ) وكتب في القبض على أبي الحسين ، فقبض أيضا ، ثم خاف القهرمانة ، فأطلقهما واستعملهما .
ثم إن أمور الخاقاني انحلت لأنه كان ضجورا ، ضيق الصدر ، مهملا لقراءة كتب العمال ، وجباية الأموال ، وكان يتقرب إلى الخاصة والعامة ، فمنع خدم السلطان وخواصه أن يخاطبوه بالعبد ، وكان إذا رأى جماعة من الملاحين والعامة يصلون جماعة ، ينزل ويصلي معهم ، وإذا سأله أحد حاجة دق صدره ، وقال : نعم وكرامة ، فسمي " دق صدره " ، إلا أنه قصر في إطلاق الأموال للفرسان والقواد ، فنفروا عنه واتضعت الوزارة بفعله ما تقدم .
وكان أولاده قد تحكموا عليه ، فكل منهم يسعى لمن يرتشي منه ، وكان يولي في الأيام القليلة عدة من العمال ، حتى إنه ولى بالكوفة ، في مدة عشرين يوما ، سبعة من العمال ، فاجتمعوا في الطريق ، فعرضوا توقيعاتهم ، فسار الأخير منهم ، وعاد الباقون يطلبون ما خدموا به أولاده ، فقيل فيه :
وزير قد تكامل في الرقاعه يولي ثم يعزل بعد ساعه إذا أهل الرشى اجتمعوا لديه
فخير القوم أوفرهم بضاعه وليس يلام في هذا بحال
لأن الشيخ أفلت من مجاعه
ثم زاد الأمر ، حتى تحكم أصحابه ، فكانوا يطلقون الأموال ويفسدون الأحوال ، فانحلت القواعد ، وخبثت النيات ، واشتغل الخليفة بعزل وزرائه والقبض عليهم ، والرجوع إلى قول النساء والخدم ، والتصرف على مقتضى آرائهم ، فخرجت الممالك ، وطمع العمال في الأطراف ، وكان ما نذكره فيما بعد .
[ ص: 614 ] ثم إن الخليفة أحضر الوزير ابن الفرات من محبسه ، فجعله عنده في بعض الحجر مكرما ، فكان يعرض عليه مطالعات العمال وغير ذلك ، وأكرمه ، وأحسن إليه ، بعد أن أخذ أمواله .
ذكر عدة حوادث
فيها غزا رستم أمير الثغور الصائفة من ناحية طرسوس ، ومعه دميانة ، فحصر حصن مليح الأرمني ، ثم دخل بلده وأحرقه .
وفيها دخل بغداذ العطير والأغبر وهما من قواد زكرويه القرمطي ، دخلا بالأمان ، وحج بالناس الفضل بن عبد الملك .
وفيها جاء نفر من القرامطة من أصحاب أبي سعيد الجنابي إلى باب البصرة ، وكان عليها محمد بن إسحاق بن كنداجيق ، وكان وصولهم يوم الجمعة والناس في الصلاة ، فوقع الصوت بمجيء القرامطة ، فخرج إليهم الموكلون بحفظ باب البصرة ، فرأوا رجلين منهم ، فخرجوا إليهما ، فقتل القرامطة منهم رجلا وعادوا فخرج إليهم محمد بن إسحاق في جمع ، فلم يرهم ، فسير في أثرهم جماعة ، فأدركوهم ، وكانوا نحو ثلاثين رجلا ، فقاتلوهم ، فقتل بينهم جماعة ، وعاد ابن كنداجيق وأغلق أبواب [ ص: 615 ] البصرة ، ظنا منه أن أولئك القرامطة كانوا مقدمة لأصحابهم ، وكاتب الوزير ببغداذ يعرفه وصول القرامطة ويستمده ، ( فلما أصبح ) ولم ير للقرامطة أثرا ندم على ما فعل ، وسير إليه من بغداذ عسكرا مع بعض القواد .
وفيها خالف أهل طرابلس الغرب على ، فسير إليها عسكرا فحاصرها ، فلم يظفر بها ، فسير إليها المهدي ، عبيد الله العلوي المهدي ابنه أبا القاسم في جمادى الآخرة سنة ثلاثمائة ، فحاصرها ، وصابرها ، واشتد في القتال ، فعدمت الأقوات في البلد حتى أكل أهله الميتة ، ففتح البلد عنفا ، وعفا عن أهله ، وأخذ أموالا عظيمة من الذين أثاروا الخلاف وغرم أهل البلد جميع ما أخرجه على عسكره ، وأخذ وجوه البلد رهائن عنده ، واستعمل عليه عاملا وانصرف .
وفيها كانت زلازل بالقيروان لم ير مثلها شدة وعظمة ، وثار أهل القيروان ، فقتلوا من كتامة نحو ألف رجل .
[ ] الوفيات
وفيها توفي محمد بن أحمد بن كيسان أبو الحسن النحوي ، وكان عالما بنحو البصريين والكوفيين ، لأنه أخذه عن ثعلب . والمبرد
وفيها توفي محمد بن السري القنطري .
[ ص: 716 ] وأبو صالح الحافظ ، وأبو علي بن سيبويه ، وأبو يعقوب بن حنين الطبيب .