[ ص: 296 ] 613
ثم دخلت سنة ثلاث عشرة وستمائة
ذكر الظاهر صاحب حلب وفاة الملك
في هذه السنة ، في جمادى الآخرة ، توفي الملك ، وهو صاحب مدينة الظاهر غازي بن صلاح الدين يوسف بن أيوب حلب ومنبج وغيرهما من بلاد الشام ، وكان مرضه إسهالا ، وكان شديد السيرة ، ضابطا لأموره كلها ، كثير الجمع للأموال من غير جهاتها المعتادة ، عظيم العقوبة على الذنب لا يرى الصفح ، وله مقصد يقصده كثير من أهل البيوتات من أطراف البلاد ، والشعراء وأهل الدين وغيرهم ، فيكرمهم ، ويجري عليهم الجاري الحسن .
ولما اشتدت علته عهد بالملك بعده لولد له صغير اسمه محمد ، ولقبه الملك العزيز غياث الدين ، عمره ثلاث سنين ، وعدل عن ولد كبير ; لأن الصغير كانت أمه ابنة عمه الملك العادل أبي بكر بن أيوب ، صاحب مصر ودمشق وغيرهما من البلاد ، فعهد بالملك له ليبقي عمه البلاد عليه ، ولا ينازعه فيها .
ومن أعجب ما يحكى أن الملك الظاهر ، قبل مرضه ، أرسل رسولا إلى عمه العادل بمصر ، يطلب منه أن يحلف لولده الصغير ، فقال العادل : سبحان الله ! أي حاجة إلى هذه اليمين ؟ الملك الظاهر مثل بعض أولادي . فقال الرسول : قد طلب هذا واختاره ، ولا بد من إجابته إليه . فقال العادل : كم من كبش في المرعى وخروف عند القصاب ، وحلف .
[ ص: 297 ] فاتفق في تلك الأيام أن توفي الملك الظاهر والرسول في الطريق ، ولما عهد الظاهر إلى ولده بالملك جعل أتابكه ومربيه خادما روميا ، اسمه طغرل ، ولقبه شهاب الدين ، وهو من خيار عباد الله ، كثير الصدقة والمعروف .
ولما توفي الظاهر ، أحسن شهاب الدين هذا السيرة في الناس ، وعدل فيهم ، وأزال كثيرا من السنن الجارية ، وأعاد أملاكا كانت قد أخذت من أربابها ، وقام بتربية الطفل أحسن قيام ، وحفظ بلاده ، واستقامت الأمور بحسن سيرته وعدله ، وملك ما كان يتعذر على الظاهر ملكه ، فمن ذلك تل باشر ، كان الملك الظاهر لا يقدر أن يتعرض إليه ، فلما توفي ملكها كيكاوش ، ملك الروم - كما نذكره إن شاء الله تعالى - انتقلت إلى شهاب الدين ، وما أقبح بالملوك وأبناء الملوك أن يكون هذا الرجل الغريب المنفرد أحسن سيرة ، وأعف عن أموال الرعية ، وأقرب إلى الخير منهم ، ولا أعلم اليوم في ولاة أمور المسلمين أحسن سيرة منه ، فالله يبقيه ، ويدفع عنه ، فلقد بلغني عنه كل حسن وجميل .
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة ، في المحرم ، وقع بالبصرة برد كثير ، وهو مع كثرته عظيم القدر قيل : كان أصغره مثل النارنجة الكبيرة ، وقيل في أكبره ما يستحي الإنسان أن يذكره ، فكسر كثيرا من رءوس النخيل .
وفي المحرم أيضا سير الخليفة الناصر لدين الله ولدي ابنه المعظم علي إلى تستر ، وهما المؤيد والموفق ، وسار معهما مؤيد الدين النائب عن الوزارة ، وعز الدين الشرابي ، فأقاما بها يسيرا ، ثم عاد الموفق مع الوزير والشرابي إلى بغداد أواخر ربيع الآخر .
وفيها ، في صفر ، هبت ببغداد ريح سوداء شديدة ، كثيرة الغبار والقتام ، وألقت [ ص: 298 ] رملا كثيرا ، وقلعت كثيرا من الشجر ، فخاف الناس وتضرعوا ، ودامت من العشاء الآخرة إلى ثلث الليل وانكشفت .
[ ] الوفيات
وفيها توفي التاج زيد بن الحسن بن زيد الكندي أبو اليمن ، البغدادي المولد والمنشأ ، انتقل إلى الشام ، فأقام بدمشق ، وكان إماما في النحو واللغة ، وله الإسناد العالي في الحديث ، وكان ذا فنون كثيرة من أنواع العلوم ، رحمه الله .