[ ص: 402 ] 570
ثم دخلت سنة سبعين وخمسمائة ذكر صقلية إلى مدينة الإسكندرية وانهزامه عنها وصول أسطول
في هذه السنة ، في المحرم ظفر أهل الإسكندرية وعسكر مصر بأسطول الفرنج من صقلية ، وكان سبب ذلك ما ذكرناه من [ إرسال ] أهل مصر إلى ملك الفرنج بساحل الشام ، وإلى صاحب صقلية ، ليقصدوا ديار مصر ليثوروا بصلاح الدين ويخرجوه من مصر ، فجهز صاحب صقلية أسطولا كثيرا عدته مائتا شيني تحمل الرجالة ، وست وثلاثون طريدة تحمل الخيل ، وستة مراكب كبار تحمل آلة الحرب ، وأربعون مركبا تحمل الأزواد ، وفيها من الراجل خمسون ألفا ، ومن الفرسان ألف وخمسمائة ، منها خمسمائة تركبلي .
وكان المقدم عليهم ابن عم صاحب صقلية ، وسيره إلى الإسكندرية من ديار مصر ، فوصلوا إليها في السادس والعشرين من ذي الحجة سنة تسع وستين ، على حين غفلة من أهلها وطمأنينة ، فخرج أهل الإسكندرية بسلاحهم وعدتهم ليمنعوهم من النزول ، وأبعدوا عن البلد ، فمنعهم الوالي عليهم من ذلك ، وأمرهم بملازمة السور ، ونزل الفرنج إلى البر مما يلي البحر والمنارة وتقدموا إلى المدينة ونصبوا عليها الدبابات والمجانيق وقاتلوا أشد قتال ، وصبر لهم أهل البلد ، ولم يكن عندهم من العسكر إلا القليل ، ورأى الفرنج من شجاعة أهل الإسكندرية وحسن سلاحهم ما راعهم .
وسيرت الكتب بالحال إلى صلاح الدين يستدعونه لدفع العدو عنهم ، ودام القتال أول يوم إلى آخر النهار ، ثم عاود الفرنج القتال اليوم الثاني ، وجدوا ، ولازموا الزحف ، حتى وصلت الدبابات إلى قرب السور ، ووصل ذلك اليوم من العساكر [ ص: 403 ] الإسلامية كل من كان في أقطاعه ، وهو قريب من الإسكندرية ، فقويت بهم نفوس أهلها ، وأحسنوا القتال والصبر ، فلما كان اليوم الثالث فتح المسلمون باب البلد وخرجوا منه على الفرنج من كل جانب ، وهم غارون ، وكثر الصياح من كل الجهات ، فارتاع الفرنج واشتد القتال ، فوصل المسلمون إلى الدبابات فأحرقوها ، وصبروا للقتال فأنزل الله نصره عليهم ، وظهرت أماراته ، ولم يزالوا مباشرين القتال إلى آخر النهار ، ودخل أهل البلد إليه وهم فرحون مستبشرون بما رأوا من تباشير الظفر وقوتهم ، وفشل الفرنج وفتور حربهم ، وكثرة القتل والجراح في رجالتهم .
وأما صلاح الدين فإنه لما وصله الخبر سار بعساكره ، وسير مملوكا له ومعه ثلاث جنائب ليجد السير عليها إلى الإسكندرية يبشر بوصوله ، وسير طائفة من العسكر إلى دمياط خوفا عليها ، واحتياطا لها ، فسار ذلك المملوك ، فوصل الإسكندرية من يومه وقت العصر ، والناس قد رجعوا من القتال ، فنادى في البلد بمجيء صلاح الدين والعساكر مسرعين ، فلما سمع الناس ذلك عادوا إلى [ القتال ، وقد ] زال ما بهم من تعب وألم الجراح ، وكل منهم يظن أن صلاح الدين معه ، فهو يقاتل قتال من يريد أن يشاهد قتاله .
وسمع الفرنج بقرب صلاح الدين في عساكره ، فسقط في أيديهم ، وازدادوا تعبا وفتورا ، فهاجمهم المسلمون عند اختلاط الظلام ، ووصلوا إلى خيامهم فغنموها بما فيها من الأسلحة الكثيرة والتحملات العظيمة ، وكثر القتل في رجالة الفرنج ، فهرب كثير منهم إلى البحر ، وقربوا شوانيهم إلى الساحل ليركبوا فيها ، فسلم بعضهم وركب ، وغرق بعضهم ، وغاص بعض المسلمين في الماء وخرق بعض شواني الفرنج فغرقت ، فخاف الباقون من ذلك ، فولوا هاربين ، واحتمى ثلاثمائة من فرسان الفرنج على رأس تل ، فقاتلهم المسلمون إلى بكرة ، ودام القتال إلى أن أضحى النهار ، فغلبهم أهل البلد وقهروهم فصاروا بين قتيل وأسير ، وكفى الله المسلمين شرهم وحاق بالكافرين مكرهم .