[ ص: 335 ]
483
ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة
ذكر فخر الدولة أبي نصر بن جهير وفاة
في هذه السنة ، في المحرم ، توفي فخر الدولة أبو نصر محمد بن محمد بن جهير الذي كان وزير الخليفة بمدينة الموصل ، ومولده بها سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة ، وتزوج إلى أبي العقارب شيخها ، ونظر في أملاك جارية قرواش ، المعروفة بسرهنك ، ثم خدم بركة بن المقلد ، حتى قبض على أخيه قرواش وحبسه ، ومضى بهدايا إلى ملك الروم ، فاجتمع هو ورسول ، فتقدم نصر الدولة بن مروان فخر الدولة عليه ، فنازعه رسول ابن مروان ، فقال فخر الدولة لملك الروم : أنا أستحق التقدم عليه لأن صاحبه يؤدي الخراج إلى صاحبي .
فلما عاد إلى قريش بن بدران أراد القبض عليه ، فاستجار بأبي الشداد ، وكانت عقيل تجير على أمرائها ، وسار إلى حلب ، فوزر لمعز الدولة أبي ثمال بن صالح . ثم مضى إلى ملطية ، ومنها إلى ابن مروان ، فقال له : كيف أمنتني وقد فعلت برسولي ما فعلت عند ملك الروم ؟ فقال : حملني على ذلك نصح صاحبي . فاستوزره ، فعمر بلاده .
ووزر بعد لولده ، ثم سار إلى نصر الدولة بغداذ ، وولي وزارة الخليفة ، على ما ذكرناه ، وتولى أخذ ديار بكر من بني مروان ، على ما ذكرناه أيضا ، ثم أخذها منه السلطان ، فسار إلى الموصل فتوفي بها .
[ ص: 336 ] ذكر البصرة وفي هذه السنة ، في جمادى الأولى نهب العرب نهب العرب البصرة نهبا قبيحا .
وسبب ذلك أنه ورد إلى بغداذ ، في بعض السنين ، رجل أشقر من سواد النيل يدعي الأدب ، والنجوم ، ويستجري الناس ، فلقبه أهل بغداذ تليا ، وكان نازلا في بعض الخانات ، فسرق ثيابا من الديباج وغيره ، وأخفاها ( في خلفا ) ، وسار بها ، فرآها الذين يحفظون الطريق ، فمنعوه من السفر ( اتهاما له ) ، وحملوه إلى المقدم عليهم ، فأطلقه لحرمة العلم .
فسار إلى أمير من أمراء العرب من بني عامر ، وبلاده متاخمة الأحساء ، وقال له : أنت تملك الأرض ، وقد فعل أجدادك بالحاج كذا وكذا ، وأفعالهم مشهورة ، مذكورة في التواريخ ، وحسن له نهب البصرة ، وأخذها ، فجمع من العرب ما يزيد على عشرة آلاف مقاتل ، وقصد البصرة ، وبها العميد عصمة ، وليس معه من الجند إلا اليسير ، لكون الدنيا آمنة من ذاعر ، ولأن الناس في جنة من هيبة السلطان ، فخرج إليهم في أصحابه ، وحاربهم ، ولم يمكنهم من دخول البلد ، فأتاه من أخبره أن أهل البلد يريدون أن يسلموه إلى العرب ، فخاف ، ففارقهم ، وقصد الجزيرة التي هي مكان القلعة بنهر معقل .
فلما علم أهل البلد بذلك فارقوا ديارهم وانصرفوا ، ودخل العرب حينئذ البصرة ، وقد قويت نفوسهم ، وملكوها ، ونهبوا ما فيها نهبا شنيعا ، فكانوا ينهبون نهارا ، وأصحاب العميد عصمة ينهبون ليلا ، وأحرقوا مواضع عدة ، وفي جملة ما أحرقوا داران للكتب إحداهما وقفت قبل أيام عضد الدولة ابن بويه ، فقال عضد الدولة : هذه مكرمة سبقنا إليها ، وهي أول دار وقفت في الإسلام . والأخرى وقفها [ ص: 337 ] الوزير أبو منصور بن شاه مردان ، وكان بها نفائس الكتب وأعيانها ، وأحرقوا أيضا النحاسين وغيرها من الأماكن .
وخربت وقوف البصرة التي لم يكن لها نظير ، من جملتها : وقوف على الحمال الدائرة على شاطئ دجلة ، وعلى الدواليب التي تحمل الماء وترقيه إلى قنى الرصاص الجارية إلى المصانع ، وهي على فراسخ من البلد ، وهي من عمل محمد بن سليمان الهاشمي وغيره .
وكان فعل العرب بالبصرة أول خرق جرى في أيام . فلما فعلوا ذلك ، وبلغ الخبر إلى السلطان ملكشاه بغداذ انحدر سعد الدولة كوهرائين ، وسيف الدولة صدقة بن مزيد إلى البصرة لإصلاح أمورها ، فوجدوا العرب قد فارقوها .
ثم إن تليا أخذ بالبحرين ، وأرسلوا إلى السلطان ، فشهره ببغداذ سنة أربع وثمانين [ وأربعمائة ] على جمل ، وعلى رأسه طرطور ، وهو يصفع بالدرة ، والناس يشتمونه ، ويسبهم ، ثم أمر به فصلب .
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة قدم الإمام أبو عبد الله الطبري بغداذ ، في المحرم ، بمنشور من نظام الملك بتوليته تدريس المدرسة النظامية ، ثم ورد بعده في شهر ربيع الآخر من السنة أبو محمد عبد الوهاب الشيرازي ، وهو أيضا معه منشور بالتدريس ، فاستقر أن يدرس يوما ، يوما . والطبري