[ ص: 780 ] 428
ثم دخلت سنة ثمان وعشرين وأربعمائة
ذكر جلال الدولة وبين بارسطغان الفتنة بين
في هذه السنة كانت الفتنة بين جلال الدولة وبين بارسطغان ، وهو من أكابر الأمراء ويلقب حاجب الحجاب .
وكان سبب ذلك أن جلال الدولة نسبه إلى فساد الأتراك ، والأتراك نسبوه إلى أخذ الأموال ، فخاف على نفسه ، فالتجأ إلى دار الخلافة في رجب من السنة الخالية .
وترددت الرسل بين جلال الدولة في أمره ، فدافع الخليفة عنه ، والقائم بأمر الله وبارسطغان يراسل الملك ، فأرسل أبا كاليجار جيشا ، فوصلوا إلى أبو كاليجار واسط واتفق معهم عسكر واسط ، وأخرجوا الملك ، فأصعد إلى أبيه ، وكشف العزيز بن جلال الدولة بارسطغان القناع ، فاستتبع أصاغر المماليك ونادوا بشعار ، وأخرجوا أبي كاليجار جلال الدولة من بغداذ ، فسار إلى أوانا ومعه ، وأخرج البساسيري بارسطغان الوزير ، فنظر في الأمور نيابة عن الملك أبا الفضل العباس بن الحسن بن فسانجس ، وأرسل أبي كاليجار بارسطغان إلى الخليفة يطلب الخطبة فاحتج بعهود لأبي كاليجار جلال الدولة ، فأكره الخطباء على الخطبة ففعلوا . لأبي كاليجار
وجرى بين الفريقين مناوشات ، وسار الأجناد الواسطيون إلى بارسطغان ( ببغداذ فكانوا معه ، وتنقلت الحال بين جلال الدولة وبارسطغان ) ، فعاد جلال الدولة إلى بغداذ ، ونزل بالجانب الغربي ومعه ، قرواش بن المقلد العقيلي ودبيس بن علي بن مزيد [ ص: 781 ] الأسدي ، وخطب لجلال الدولة به ، وبالجانب الشرقي ، وأعان لأبي كاليجار أبو الشوك ، وأبو الفوارس منصور بن الحسين بارسطغان على طاعة . أبي كاليجار
ثم سار جلال الدولة إلى الأنبار ، وسار قرواش إلى الموصل ، وقبض بارسطغان على ابن فسانجس ، فعاد منصور بن الحسين إلى بلده ، وأتى الخبر إلى بارسطغان بعود الملك إلى أبي كاليجار فارس ، ففارقه الديلم الذين جاءوا نجدة له ، فضعف أمره ، ( فدفع ماله ) وحرمه إلى دار الخلافة ، وانحدر إلى واسط ، وعاد جلال الدولة إلى بغداذ ، وأرسل البساسيري والمرشد وبني خفاجة في أثره فتبعهم جلال الدولة ، فلحقوه ودبيس بن علي بن مزيد بالخيزرانية ، فقاتلوه فسقط عن فرسه ، فأخذ أسيرا وحمل إلى جلال الدولة ، فقتله وحمل رأسه ، وكان عمره نحو سبعين سنة .
( وسار جلال الدولة إلى واسط فملكها ، وأصعد إلى بغداذ ) ، فضعف أمر الأتراك ، وطمع فيهم الأعراب ، واستولوا على إقطاعاتهم فلم يقدروا على كف أيديهم عنها ، وكانت مدة بارسطغان من حين كاشف جلال الدولة إلى أن قتل ستة أشهر وعشرة أيام .
ذكر الصلح بين جلال الدولة والمصاهرة بينهما وأبي كاليجار
في هذه السنة ترددت الرسل بين جلال الدولة وابن أخيه ، سلطان الدولة ، في الصلح والاتفاق ، وزوال الخلف ، وكان الرسل ( أقضى القضاة ) أبي كاليجار ، أبا الحسن الماوردي وأبا عبد الله المردوستي ، وغيرهما ، فاتفقا على الصلح . وحلف كل واحد من الملكين لصاحبه ، وأرسل الخليفة إلى القائم بأمر الله الخلع [ ص: 782 ] النفيسة ، ووقع العقد أبي كاليجار لأبي منصور بن أبي كاليجار على ابنة جلال الدولة ، وكان الصداق خمسين ألف دينار قاسانية .
ذكر عدة حوادث
[ الوفيات ]
فيها أبو القاسم علي بن الحسين بن مكرم صاحب عمان ، وكان جوادا ، ممدحا ، وقام ابنه مقامه . توفي
وفيها توفي الأمير أبو عبد الله الحسين بن سلامة ، أمير تهامة ، باليمن ، وولي ابنه بعده ، فعصى عليه خادم كان لوالده . وأراد أن يملك فجرى بينهما حروب كثيرة تمادت أيامها ، ففارق أهل تهامة أوطانهم إلى غير مملكة ولد الحسين هربا من الشر وتفاقم الأمر .
وفيها مهيار الشاعر ، وكان مجوسيا ، فأسلم سنة أربع وتسعين وثلاثمائة ، وصحب توفي ، وقال له الشريف الرضي : يا أبو القاسم بن برهان مهيار قد انتقلت بإسلامك في النار من زاوية إلى زاوية ! قال : كيف ؟ قال : لأنك كنت مجوسيا ، فصرت تسب أصحاب النبي ، صلى الله عليه وسلم ، في شعرك .
وفيها الحسين القدوري الفقيه الحنفي ، والحاجب توفي أبو أبو الحسين هبة الله بن الحسن ، المعروف بابن أخت الفاضل ، وكان من أهل الأدب وله شعر جيد ، وأبو علي بن أبي الريان بمطيراباذ ، ومولده سنة أربع وخمسين وثلاثمائة ، وقد مدحه الرضي وابن نباتة وغيرهما .
[ ص: 783 ] وفيها عاود حرب زناتة المعز بن باديس بإفريقية ، فهزمهم وأكثر القتل فيهم ، وخرب مساكنهم وقصورهم .
وفي شعبان توفي أبو علي بن سينا الحكيم ، الفيلسوف المشهور ، صاحب التصانيف السائرة على مذاهب الفلاسفة ، وكان موته بأصبهان ، وكان يخدم علاء الدولة أبا جعفر بن كاكويه ، ولا شك أن أبا جعفر كان فاسد الاعتقاد ، فلهذا أقدم على تصانيفه في الإلحاد ، والرد على الشرائع ( في بلده ) . ابن سينا