ثم دخلت سنة ست وخمسين وأربعمائة .
ذكر عميد الملك وقتله . القبض على
في هذه السنة قبض السلطان ألب أرسلان على الوزير وزير عميد الملك أبي نصر ( منصور بن محمد ) الكندري طغرلبك .
وسبب ذلك أن عميد الملك قصد خدمة نظام الملك ، وزير ألب أرسلان ، وقدم بين يديه خمسمائة دينار ، واعتذر ، وانصرف من عنده ، فسار أكثر الناس معه ، فخوف السلطان من غائلة ذلك ، فقبض عليه وأنفذه إلى مرو الروذ ، وأتت عليه سنة في الاعتقال ، ثم نفذ إليه غلامين فدخلا عليه وهو محموم ، فقالا له : تب مما أنت عليه ، ففعل ، ودخل فودع أهله ، وخرج إلى مسجد هناك فصلى ركعتين ، وأراد الغلامان خنقه ، فقال : لست بلص ! وخرق خرقة من طرف كمه وعصب عينيه ، فضربوه بالسيف ، وكان قتله في ذي الحجة ، ولف في قميص دبيقي من ملابس الخليفة ، وخرقة كانت البردة التي عند الخلفاء فيها ، وحملت جثته إلى كندر ، فدفن عند أبيه ، وكان عمره يوم قتل نيفا وأربعين سنة .
وكان سبب اتصاله بالسلطان طغرلبك أن السلطان لما ورد نيسابور طلب رجلا يكتب له ، ويكون فصيحا بالعربية ، فدل عليه الموفق ، والد أبي سهل ، وأعطته [ ص: 189 ] السعادة ، وكان فصيحا ، فاضلا ، وانتشر من شعره ما قاله في غلام تركي صغير السن كان واقفا على رأسه يقطع بالسكين قصبة ، فقال عميد الملك فيه :
أنا مشغول بحبه ، وهو مشغول بلعبه لو رد الله خيرا ، وصلاحا لمحبه نقلت رقة خدي ه إلى قسوة قلبه
صانه الله فما أك ثر إعجابي بعجبه
ومن شعره : .
إذا كان بالناس ضيق على مناقشتي فالموت قد وسع الدنيا على الناس
مضيت ، والشامت المغبون يتبعني ، كل لكأس المنايا شارب حاسي
وقال يخاطب أبو الحسن الباخرزي ألب أرسلان عند قتل الكندري :
وعمك أدناه ، وأعلى محله ، وبوأه من ملكه كنفا رحبا
قضى كل مولى منكما حق عبده فخوله الدنيا ، وخولته العقبى
وكان عميد الملك خصيا ، قد خصاه طغرلبك لأنه أرسله يخطب عليه امرأة ليتزوجها ، فتزوجها هو ، وعصى عليه ، فظفر به وخصاه ، وأقره على خدمته .
وقيل بل أعداؤه أشاعوا أنه تزوجها ، فخصى نفسه ليخلص من سياسة السلطنة ، فقال فيه : علي بن الحسن الباخرزي
قالوا : محا السلطان عنه بعزة سمة الفحول ، وكان قرما صائلا
قلت ، اسكتوا ، فالآن زاد فحولة لما اغتدى عن أنثييه عاطلا
فالفحل يأنف أن يسمى بعضه أنثى ، لذلك جذه مستأصلا
[ ص: 190 ] يعني بالأنثى واحدة الأنثيين .
وكان شديد التعصب على الشافعية ، كثير الوقيعة في ، رضي الله عنه ، بلغ من تعصبه أنه خاطب السلطان في لعن الشافعي الرافضة على منابر خراسان ، فأذن في ذلك ، فأمر بلعنهم ، وأضاف إليهم الأشعرية ، فأنف من ذلك أئمة خراسان ، منهم : ، الإمام أبو القاسم القشيري والإمام أبو المعالي الجويني ، وغيرهما ، ففارقوا خراسان ، وأقام إمام الحرمين بمكة أربع سنين إلى أن انقضت دولته ، يدرس ، ويفتي ، فلهذا لقب إمام الحرمين ، فلما جاءت الدولة النظامية ، أحضر من انتزح منهم وأكرمهم ، وأحسن إليهم .
وقيل إنه تاب من الوقيعة في ، فإن صح فقد أفلح ، وإلا فعلى نفسها براقش تجني . الشافعي
ومن العجب أن ذكره دفن بخوارزم لما خصي ، ودمه مسفوح بمرو ، وجسده مدفون بكندر ، ورأسه ما عدا قحفه مدفون بنيسابور ، ونقل قحفه إلى كرمان لأن نظام الملك كان هناك ، فاعتبروا يا أولي الأبصار .
ولما قرب للقتل قال القاصد إليه : قل لنظام الملك : بئس ما عودت الأتراك قتل الوزراء ، وأصحاب الديوان ، ومن حفر قليبا وقع فيه ، ولم يخلف عميد الملك غير بنت .