[ ص: 68 ] ذكر بيوراسب وهو الازدهاق الذي يسميه العرب الضحاك
وأهل اليمن يدعون أن الضحاك منهم ، وأنه أول الفراعنة ، وكان ملك مصر لما قدمها إبراهيم الخليل .
والفرس تذكر أنه منهم وتنسبه إليهم ، وأنه بيوراسب بن أرونداسب بن رينكار بن وندريشتك بن يارين بن فروال بن سيامك بن ميشى بن جيومرث ، ومنهم من ينسبه غير هذه النسبة ، وزعم أهل الأخبار أنه ملك الأقاليم السبعة ، وأنه كان ساحرا فاجرا .
قال : ملك هشام بن الكلبي الضحاك بعد جم فيما يزعمون - والله أعلم - ألف سنة ، ونزل السواد في قرية يقال لها برس في ناحية طريق الكوفة ، وملك الأرض كلها ، وسار بالجور والعسف ، وبسط يده في القتل ، وكان ، والقطع ، أول من سن الصلب ، وأول من وضع العشور ، وضرب الدراهم . وأول من تغنى وغني له
قال : وبلغنا أن الضحاك هو نمرود ، وأن إبراهيم - عليه السلام - ولد في زمانه ، وأنه صاحبه الذي أراد إحراقه .
[ ص: 69 ] وتزعم الفرس أن الملك لم يكن إلا للبطن الذي منه أوشهنج ، وجم ، وطهمورث ، وأن الضحاك كان غاضبا ، وأنه غصب أهل الأرض بسحره ، وخبثه ، وهول عليهم بالحيتين اللتين كانتا على منكبيه .
وقال كثير من أهل الكتب : إن الذي كان على منكبيه كان لحمتين طويلتين كل واحدة منهما كرأس الثعبان ، وكان يسترهما بالثياب ، ويذكر على طريق التهويل أنهما حيتان تقتضيانه الطعام ، وكانتا تتحركان تحت ثوبه إذا جاعتا ، ولقي الناس منه جهدا شديدا ، وذبح الصبيان لأن اللحمتين اللتين كانتا على منكبيه كانتا تضطربان فإذا طلاهما بدماغ إنسان سكنتا ، فكان يذبح كل يوم رجلين ، فلم يزل الناس كذلك حتى إذا أراد الله هلاكه وثب رجل من العامة من أهل أصبهان يقال له كابي بسبب ابنين له أخذهما أصحاب بيوراسب بسبب اللحمتين اللتين على منكبيه ، وأخذ كابي عصا كانت بيده فعلق بطرفها جرابا كان معه ثم نصب ذلك كالعلم ودعا الناس إلى مجاهدة بيوراسب ومحاربته . فأسرع إلى إجابته خلق كثير لما كانوا فيه من البلاء ، وفنون الجور . فلما غلب كابي تفاءل الناس بذلك العلم فعظموه ، وزادوا فيه حتى صار عند ملوك العجم علمهم الأكبر الذي يتبركون به وسموه درفش كابيان ، فكانوا لا يسيرونه إلا في الأمور الكبار العظام ، ولا يرفع إلا لأولاد الملوك إذا وجهوا في الأمور الكبار .
وكان من خبر كابي أنه من أهل أصبهان ، فثار بمن اتبعه ، فالتفت الخلائق إليه . فلما أشرف الضحاك قذف في قلب الضحاك منه الرعب ، فهرب عن منازله وخلى مكانه . فاجتمع الأعجام إلى كابي ، فأعلمهم أنه لا يتعرض للملك لأنه ليس من أهله ، وأمرهم أن يملكوا بعض ولد جم لأنه ابن الملك أوشهنق الأكبر بن فروال الذي رسم الملك وسبق في القيام به . وكان أفريدون بن أثغيان مستخفيا من الضحاك ، فوافى كابي ومن معه ، فاستبشروا بموافاته فملكوه ، وصار كابي والوجوه لأفريدون أعوانا على أمره . [ ص: 70 ] فلما ملك وأحكم ما احتاج إليه من أمر الملك احتوى على منازل الضحاك وسار في أسره فأسره بدنباوند في جبالها .
وبعض المجوس تزعم أنه وكل به قوما من الجن ، وبعضهم يقول : إنه لقي سليمان بن داود ، وحبسه سليمان في جبل دنباوند ، وكان ذلك الزمان بالشام ، فما برح بيوراسب بحبسه يجره حتى حمله إلى خراسان . فلما عرف سليمان ذلك أمر الجن فأوثقوه حتى لا يزول ، وعملوا عليه طلسما كرجلين يدقان باب الغار الذي حبس فيه أبدا لئلا يخرج ، فإنه عندهم لا يموت .
وهذا أيضا من أكاذيب الفرس الباردة ، ولهم فيه أكاذيب أعجب من هذا تركنا ذكرها .
وبعض الفرس يزعم أن أفريدون قتله يوم النيروز ، فقال العجم عند قتله : إمروز نوروز ، أي استقبلنا الدهر بيوم جديد ، فاتخذوه عيدا ، وكان أسره يوم المهرجان ، فقال العجم : آمد مهرجان لقتل من كان يذبح .
وزعموا أنهم لم يسمعوا في أمور الضحاك بشيء يستحسن غير شيء واحد ، وهو أن بليته لما اشتدت ودام جوره وتراسل الوجوه في أمره فأجمعوا على المصير إلى بابه فوافاه الوجوه ، فاتفقوا على أن يدخل عليه كابي الأصبهاني ، فدخل عليه ولم يسلم ، فقال : أيها الملك ، أي السلام أسلم عليك ؟ سلام من يملك الأقاليم كلها أم سلام من يملك هذا الإقليم ؟ فقال : بل سلام من يملك الأقاليم لأني ملك الأرض . فقال كابي : إذ كنت تملك الأقاليم كلها فلم خصصتنا بأثقالك ، وأسبابك من بينهم ، ولم لا تقسم الأمور بيننا وبينهم ؟ وعدد عليه أشياء كثيرة ، فصدقه ، فعمل كلامه في الضحاك ، فأقر بالإساءة وتألف القوم ، ووعدهم بما يحبون وأمرهم بالانصراف ليعودوا ويقضي حوائجهم ، ثم ينصرفوا إلى بلادهم .
وكانت أمه حاضرة تسمع معاتبتهم ، وكانت شرا منه ، فلما خرج القوم دخلت مغتاظة من احتماله وحلمه عنهم فوبخته وقالت له : ألا أهلكتهم ، وقطعت أيديهم ؟ فلما أكثرت [ ص: 71 ] عليه قال لها : يا هذه ، لا تفكري في شيء إلا سبقت إليه ، إلا أن القوم بدهوني بالحق وقرعوني به ، فكلما هممت بهم تخيل لي الحق بمنزلة جبل بيني وبينهم فما أمكنني فيه شيء . ثم جلس لأهل النواحي فوفى لهم بما وعدهم وقضى أكثر حوائجهم .
وقال بعضهم : كان ملكه ستمائة سنة ، وكان عمره ألف سنة ، وإنه كان في باقي عمره شبيها بالملك لقدرته ونفوذ أمره ، وقيل : كان ملكه ألف سنة ومائة سنة .
وإنما ذكرنا خبر بيوراسب ههنا لأن بعضهم يزعم أن نوحا كان في زمانه ، وإنما أرسل إليه وإلى أهل مملكته .
وقيل إنه هو الذي بنى مدينة بابل ، ومدينة صور ، ومدينة دمشق .