ثم دخلت سنة ثلاث عشرة ومائتين
وفيها ابنه المأمون العباس الجزيرة ، والثغور ، والعواصم ، وولى أخاه أبا إسحاق المعتصم الشام ومصر ، وأمر لكل واحد منهما ولى بخمسمائة ألف درهم ، فقيل : لم يفرق في يوم من المال مثل ذلك . ولعبد الله بن طاهر
وفي هذه السنة خلع عبد السلام وابن جليس المأمون بمصر في القيسية واليمانية ، وظهرا بها ، ثم وثبا بعامل المعتصم ، وهو ابن عميرة بن الوليد الباذغيسي ، فقتلاه في ربيع الأول سنة أربع عشرة ومائتين ، فسار المعتصم إلى مصر ، وقاتلهما ، فقتلهما وافتتح مصر ، فاستقامت أمورها ، واستعمل عليها عماله .
وفيها مات طلحة بن طاهر بخراسان .
وفيها استعمل المأمون غسان بن عباد على السند ، وسبب ذلك أن بشر بن داود خالف ، وجبى الخراج فلم يحمل منه شيئا ، فعزم على تولية المأمون غسان ، فقال لأصحابه : أخبروني عن غسان ، فإني أريده لأمر عظيم . فأطنبوا في مدحه ، فنظر إلى المأمون وهو ساكت ، فقال : ما تقول يا أحمد بن يوسف أحمد ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، ذلك رجل محاسنه أكثر من مساوئه ، لا يصرف به إلى طبقة إلا انتصف منهم ، فمهما تخوفت عليه فإنه لن يأتي أمرا يعتذر منه . فأطنب فيه ، فقال : لقد مدحته على سوء رأيك فيه . قال : لأني كما قال الشاعر : [ ص: 558 ]
كفى شكرا لما أسديت أني صدقتك في الصديق وفي عداتي
قال : فأعجب من كلامه وأدبه . المأمون
وحج بالناس هذه السنة عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن محمد بن علي .
وفيها قتل أهل ماردة من الأندلس عاملهم ، فثارت الفتنة عندهم ، فسير إليهم عبد الرحمن جيشا ، فحصرهم ، وأفسد زرعهم وأشجارهم ، فعاودوا الطاعة ، وأخذت رهائنهم ، وعاد الجيش بعد أن خربوا سور المدينة .
ثم أرسل عبد الرحمن إليهم بنقل حجارة السور إلى النهر ; لئلا يطمع أهلها في عمارته ، فلما رأوا ذلك عادوا إلى العصيان ، وأسروا العامل عليهم ، وجددوا بناء السور وأتقنوه .
فلما دخلت سنة أربع عشرة سار عبد الرحمن ، صاحب الأندلس ، في جيوشه إلى ماردة ، ومعه رهائن أهلها ، فلما بارزها راسله أهلها ، وافتكوا رهائنهم بالعامل الذي أسروه وغيره ، وحصرهم ، وأفسد بلدهم ورحل عنهم .
ثم سير إليهم جيشا سنة سبع عشرة ومائتين ، فحصروها ، وضيقوا عليها ، ودام الحصار ، ثم رحلوا عنهم .
فلما دخلت سنة ثماني عشرة سير إليها جيشا ، ففتحها ، وفارقها أهل الشر والفساد .
وكان من أهلها إنسان اسمه محمود بن عبد الجبار الماردي ، فحصره عبد الرحمن بن الحكم في جمع كثير من الجند ، وصدقوه القتال ، فهزموه وقتلوا كثيرا من رجاله ، وتبعتهم الخيل ، فأفنوهم قتلا وأسرا وتشريدا .
ومضى محمود بن عبد الجبار الماردي فيمن سلم معه من أصحابه إلى منت سالوط ، فسير إليه عبد الرحمن جيشا سنة عشرين ومائتين ، فمضوا هاربين عنه إلى حلقب في ربيع الآخر منها ، فأرسل سرية في طلبهم ، فقاتلهم محمود ، فهزمهم ، وغنم ما معهم ، [ ص: 559 ] ومضوا لوجهتهم ، فلقيهم جمع من أصحاب عبد الرحمن مصادفة ، فقاتلوهم ثم كف بعضهم عن بعض ، وساروا ، فلقيهم سرية أخرى ، فقاتلوهم ، فانهزمت السرية ، وغنم محمود ما فيها .
وسار حتى أتى مدينة مينة ، فهجم عليها وملكها ، وأخذ ما فيها من دواب وطعام ، وفارقوها ، فوصلوا إلى بلاد المشركين ، فاستولوا على قلعة لهم ، فأقاموا بها خمسة أعوام وثلاثة أشهر ، فحصرهم أذفونس ملك الفرنج ، فملك الحصن ، وقتل محمودا ومن معه ، وذلك سنة خمس وعشرين ومائتين في رجب ، وانصرف من فيها .
[ ] الوفيات
وفيها توفي ، وسار إلى إبراهيم الموصلي المغني ، وهو إبراهيم بن ماهان ، والد إسحاق بن إبراهيم ، وكان كوفيا الموصل ، فلما عاد قيل له الموصلي ، فلزمه .
، وكان مولده سنة ستين ومائة ، وكان قد أضر . وعلي بن جبلة بن مسلم أبو الحسن الشاعر ومحمد بن عرعرة بن البرند . وأبو عبد الرحمن المقرئ المحدث . وعبد الله بن موسى العبسي الفقيه ، وكان شيعيا ، وهو من مشايخ في صحيحه . البخاري
( البرند بكسر الباء الموحدة والراء وتسكين النون وآخره دال مهملة ) .