[ ص: 260 ] ذكر أخبار ملوك الفرس بعد الإسكندر وهم ملوك الطوائف
لما مات الإسكندر ملك بلاد الفرس بعده ملوك الطوائف ، وقد تقدم ذكر السبب في تمليكهم .
وقيل : كان السبب في ذلك أن الإسكندر لما ملك بلاد الفرس ووصل إلى ما أراد كتب إلى أرسطاطاليس الحكيم : إني قد وترت جميع من في بلاد المشرق وقد خشيت أن يتفقوا بعدي على قصد بلادنا وإيذاء قومنا ، وقد هممت أن أقتل أولاد من قتلت من الملوك وألحقهم بآبائهم ، فما ترى ؟
فكتب إليه : إنك إن قتلت أبناء الملوك أفضى الملك إلى السفل والأنذال ، والسفل إذا ملكوا قدروا ، وإذا قدروا طغوا وبغوا وظلموا ، وما يخشى من معرتهم أكثر ، والرأي أن تجمع أبناء الملوك فتملك كل واحد منهم بلدا واحدا وكورة واحدة ، فإن كل واحد منهم يقوم في وجه الآخر يمنعه عن بلوغ غرضه خوفا على ما بيده فتتولد العداوة بينهم فيشتغل بعضهم ببعض فلا يتفرغون إلى من بعد عنهم .
فعندها قسم الإسكندر بلاد المشرق على ملوك الطوائف ونقل عن بلدانهم النجوم والحكمة ، وكان من حالهم بعد الإسكندر ما ذكره أرسطاطاليس ، واشتغلوا عن قصد اليونان .
وكان أرسطاطاليس من أفضل الحكماء وأعلمهم ، وكان الإسكندر يصدر عن رأيه وأخذ الحكمة عن أفلاطون تلميذ سقراط ، وسقراط تلميذ أوسيلاوس في الطبيعيات دون غيرها ، ومعناه رأس السباع ، وكان أوسيلاوس تلميذ أنكساغورس ، إلا أن أرسطاطاليس [ ص: 261 ] خالف أستاذه في عدة مسائل ، فلما قيل له في ذلك قال : أفلاطون صديق والحق صديق ، إلا أن الحق أولى بالصداقة منه .
وقد اختلف العلماء في الملك الذي كان بسواد العراق بعد الإسكندر وعدد ملوك الطوائف الذين ملكوا إقليم بابل ، فقال وغيره : ملك بعد هشام بن الكلبي الإسكندر بلاقس سلبقس ، ثم أنطيخس ، وهو الذي بنى مدينة أنطاكية .
وكان في أيدي هؤلاء الملوك سواد الكوفة أربعا وخمسين سنة ، وكانوا يتطرقون الجبال ، وناحية الأهواز ، وفارس .