[ ص: 468 ] 28
ثم دخلت سنة ثمان وعشرين
ذكر فتح قبرس
قيل : في سنة ثمان وعشرين كان معاوية ، وقيل : سنة تسع وعشرين ، وقيل سنة ثلاث وثلاثين ، وقيل : إنما غزيت سنة ثلاث وثلاثين لأن أهلها غدروا ، على ما نذكره ، فغزاها المسلمون . ولما غزاها فتح قبرس على يد معاوية هذه السنة ، غزا معه جماعة من الصحابة فيهم أبو ذر ، ، ومعه زوجته وعبادة بن الصامت أم حرام ، وأبو الدرداء ، ، وكان وشداد بن أوس معاوية قد لج على عمر في غزو البحر وقرب الروم من حمص ، وقال : إن قرية من قرى حمص ليسمع أهلها نباح كلابهم وصياح دجاجهم . فكتب عمر إلى صف لي البحر وراكبه . فكتب إليه عمرو بن العاص : : إني رأيت خلقا كبيرا يركبه خلق صغير ، ليس إلا السماء والماء ، إن ركد خرق القلوب ، وإن تحرك أزاغ العقول ، يزداد فيه اليقين قلة ، والشك كثرة ، هم فيه كدود على عود ، إن مال غرق ، وإن نجا برق . فلما قرأه كتب إلى عمرو بن العاص معاوية : والذي بعث محمدا - صلى الله عليه وسلم - ، بالحق لا أحمل فيه مسلما أبدا ، وقد بلغني أن بحر الشام يشرف على أطول شيء من الأرض ، فيستأذن الله في كل يوم وليلة في أن يغرق الأرض ، فكيف أحمل الجنود على هذا [ ص: 469 ] الكافر ! وبالله لمسلم أحب إلي مما حوت الروم . وإياك أن تعرض إلي ، فقد علمت ما لقي العلاء مني .
قال : وترك ملك الروم الغزو وكاتب عمر وقاربه . وبعثت ، زوج أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ، إلى امرأة ملك عمر بن الخطاب الروم بطيب وشيء يصلح للنساء مع البريد ، فأبلغه إليها ، فأهدت امرأة الملك إليها هدية ، منها عقد فاخر . فلما رجع البريد أخذ عمر ما معه ونادى : الصلاة جامعة ، فاجتمعوا ، وأعلمهم الخبر ، فقال القائلون : هو لها بالذي كان لها ، وليست امرأة الملك بذمة فتصانعك . وقال آخرون : قد كنا نهدي لنستثيب . فقال عمر : لكن الرسول رسول المسلمين والبريد بريدهم ، والمسلمون عظموها في صدرها فأمر بردها إلى بيت المال وأعطاها بقدر نفقتها .
فلما كان زمن عثمان كتب إليه معاوية يستأذنه في غزو البحر مرارا ، فأجابه عثمان بآخرة إلى ذلك ، وقال له : لا تنتخب الناس ولا تقرع بينهم ، خيرهم فمن اختار الغزو طائعا فاحمله وأعنه . ففعل ، واستعمل عبد الله بن قيس الجاسي حليف بني فزارة ، وسار المسلمون من الشام إلى قبرس ، وسار إليها من عبد الله بن سعد مصر ، فاجتمعوا عليها ، فصالحهم أهلها على جزية سبعة آلاف دينار كل سنة ، يؤدون إلى الروم مثلها ، لا يمنعهم المسلمون عن ذلك ، وليس على المسلمين منعهم ممن أرادهم ممن وراءهم ، وعليهم أن يؤذنوا المسلمين بمسير عدوهم من الروم إليهم ، ويكون طريق المسلمين إلى العدو عليهم .
قال : ولما فتحت جبير بن نفير قبرس ونهب منها السبي نظرت إلى يبكي فقلت : ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله ؟ قال : فضرب منكبي بيده وقال : ما أهون الخلق على الله إذا تركوا أمره ، بينما هي أمة ظاهرة قاهرة للناس لهم الملك ، إذا تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى فسلط عليهم السباء ، وإذا سلط السباء على قوم فليس له فيهم حاجة . أبي الدرداء
[ ص: 470 ] وفي هذه الغزوة ماتت ، ألقتها بغلتها أم حرام بنت ملحان الأنصارية بجزيرة قبرس فاندقت عنقها فماتت ، تصديقا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، حيث أخبرها أنها في أول من يغزو في البحر .
وبقي عبد الله بن قيس الجاسي على البحر ، فغزا خمسين غزاة من بين شاتية وصائفة في البر والبحر ، لم يغرق أحد ولم ينكب ، فكان يدعو الله أن يعافيه في جنده ، فأجابه ، فلما أراد الله أن يصيبه في جسده خرج في قارب طليعة ، فانتهى إلى المرفإ من أرض الروم وعليه مساكين يسألون ، فتصدق عليهم ، فرجعت امرأة منهم إلى قريتها فقالت للرجال : هذا في عبد الله بن قيس المرفإ ، فثاروا إليه فهجموا عليه فقاتلوه بعد أن قاتلهم ، فأصيب وحده ، ونجا الملاح حتى أتى أصحابه ، فأعلمهم فجاءوا حتى أرسوا بالمرفإ ، والخليفة عليهم سفيان بن عوف الأزدي ، فخرج إليهم فقاتلهم فضجر ، فجعل يشتم أصحابه . فقالت جارية عبد الله : ما هكذا كان يقول حين يقاتل ! فقال سفيان : فكيف كان يقول ؟ قالت :
" الغمرات ثم ينجلينا "
فلزمها بقولها ، وأصيب في المسلمين يومئذ . وقيل لتلك المرأة بعد : بأي شيء عرفته ؟ قالت : كان كالتاجر فلما سألته أعطاني كالملك فعرفته بهذا .
وفي هذه السنة غزا حبيب بن مسلمة سورية من أرض الروم .
[ ص: 471 ] وفيها تزوج عثمان نائلة بنت الفرافصة ، وكانت نصرانية فأسلمت قبل أن يدخل بها .
وفيها بنى عثمان الزوراء .
وحج بالناس عثمان هذه السنة .
( حرام : بالحاء المهملة والراء . والجاسي : بالجيم والسين المهملة . والفرافصة : بفتح الفاء إلا الفرافصة بن الأحوص الكلبي الذي من ولده نائلة زوج عثمان ) .