ثم دخلت سنة تسع وستين ومائة
ذكر المهدي
في هذه [ السنة ] مات موت المهدي أبو عبد الله محمد بن عبد الله المنصور بماسبذان ، وسبب خروجه إليها أنه قد عزم على خلع ابنه والبيعة موسى الهادي للرشيد . ( بولاية العهد وتقديمه على الهادي ) ، فبعث إليه ، وهو بجرجان ، في المعنى ، فلم يفعل .
فبعث إليه في القدوم عليه ، فضرب الرسول ، وامتنع من القدوم عليه ، فسار المهدي يريده ، فلما بلغ ماسبذان أكل طعاما ثم قال إني داخل إلى البهو أنام ، فلا توقظوني ، حتى أكون أنا الذي أنتبه ، فدخله ، فنام ونام أصحابه ، فاستيقظوا ببكائه ، فأتوه مسرعين ، فقال : وقف على الباب رجل فقال :
كأني بهذا القصر قد باد أهله وأوحش منه ربعه ومنازله وصار عميد القوم من بعد بهجة وملك إلى قبر عليه جنادله فلم يبق إلا ذكره وحديثه تنادي عليه معولات حلائله فبقي بعد ذلك عشرة أيام ومات .
وقد اختلف في سبب موته فقيل إنه كان يتصيد ، فطردت الكلاب ظبيا ، وتبعته ، فدخل باب خربة ، ودخلت الكلاب خلفه ، ثم تبعها فرس المهدي ، فدخلها فدق الباب [ ص: 254 ] ظهره ، فمات من ساعته .
وقيل : بل بعثت جارية من جواريه إلى ضرة لها بلبإ فيه سم ، فدعا به المهدي فأكل منه ، فخافت الجارية أن تقول إنه مسموم ، فمات من ساعته .
وقيل : بل عمدت حسنة - جارية له - إلى كمثرى ، ( فأهدته إلى جارية أخرى كان المهدي يتحظاها ، وسمت منه كمثراة ) هي أحسن الكمثرى ، فاجتاز بالمهدي ، فدعا به وكان يحب الكمثرى ، فأخذ تلك الكمثراة المسمومة فأكلها ، فلما وصلت إلى جوفه صاح : جوفي جوفي ! فسمعت صوته فجاءت تلطم وجهها وتبكي وتقول : أردت أن أنفرد بك ، فقتلتك ! فمات من يومه ، ورجعت حسنة وعلى قبتها المسوح ، فقال في ذلك : أبو العتاهية
رحن في الوشي وأقبلن عليهن المسوح كل نطاح من الدن يا له يوم نطوح
لست بالباقي ولو عمرت ما عمر نوح فعلى نفسك نح إن كنت لابد تنوح
وكان موته في المحرم لثمان بقين منه ، وكانت خلافته عشر سنين وشهرا ، وقيل : عشر سنين وتسعة وأربعين يوما ، وتوفي وهو ابن ثلاث وأربعين سنة ، ودفن تحت جوزة كان يجلس تحتها ، وصلى عليه ابنه الرشيد ، وكان أبيض طويلا ، وقيل أسمر بإحدى عينيه نكتة بياض .