ثم دخلت سنة أربع وأربعين وخمسمائة
ذكر وفاة وبعض سيرته وملك أخيه سيف الدين غازي بن أتابك زنكي قطب الدين
في هذه السنة توفي صاحب سيف الدين غازي بن أتابك زنكي الموصل بها بمرض حاد ، ولما اشتد مرضه أرسل إلى بغداد واستدعى أوحد الزمان ، فحضر عنده ، فرأى شدة مرضه ، فعالجه ، فلم ينجع فيه الدواء ، وتوفي أواخر جمادى الآخرة ، وكانت ولايته ثلاث سنين وشهرا وعشرين يوما ; وكان حسن الصورة والشباب ، وكانت ولادته سنة خمسمائة ، ودفن بالمدرسة التي بناها بالموصل ، وخلف ولدا ذكرا ، فرباه عمه ، وأحسن تربيته ، وزوجه نور الدين محمود ابنة أخيه قطب الدين مودود ، فلم تطل أيامه وتوفي في عنفوان شبابه ، فانقرض عقبه .
وكان كريما شجاعا عاقلا ، وكان يصنع كل يوم لعسكره طعاما كثيرا مرتين بكرة وعشية ، فأما الذي بكرة فيكون مائة رأس غنم جيدة ، وهو أول من حمل على رأسه السنجق ، وأمر الأجناد ألا يركبوا إلا بالسيف في أوساطهم والدبوس تحت ركبهم ، فلما فعل ذلك اقتدى به أصحاب الأطراف . بنى المدرسة الأتابكية العتيقة بالموصل ، وهي من أحسن المدارس ، ووقفها على الفقهاء الحنفية والشافعية ، وبنى رباطا [ ص: 167 ] للصوفية بالموصل أيضا على باب المشرعة ، ولم تطل أيامه ليفعل ما في نفسه من الخير ، وكان عظيم الهمة ، ومن جملة كرمه أنه قصده شهاب الدين الحيص بيص وامتدحه بقصيدته التي أولها :
إلام يراك المجد في زي شاعر وقد نحلت شوقا فروع المنابر
فوصله بألف دينار عينا سوى الخلع وغيرها .
ولما توفي كان أخوه سيف الدين غازي قطب الدين مقيما بالموصل ، فاتفق جمال الدين الوزير وزين الدين علي أمير الجيش على تمليكه ، فأحضروه ، واستحلفوه ، وحلفوا له ، وأركبوه إلى دار السلطنة ، وزين الدين في ركابه ، وأطاعه جميع بلاد سيف الدين كالموصل ، والجزيرة ، والشام .
ولما ملك تزوج الخاتون ابنة حسام الدين تمرتاش التي كان قد تزوجها أخوه سيف الدين وتوفي قبل الدخول بها ، وهي أم أولاد قطب الدين : سيف الدين ، وعز الدين وغيرهما من أولاده .