[ ص: 184 ] ( 547 )
ثم دخلت سنة سبع وأربعين وخمسمائة
ذكر عبد المؤمن بجاية وملك بني حماد ملك
في هذه السنة سار إلى عبد المؤمن بن علي بجاية وملكها ، وملك جميع ممالك بني حماد . وكان لما أراد قصدها سار من مراكش إلى سبتة سنة ست وأربعين [ وخمسمائة ] ، فأقام بها مدة يعمر الأسطول ، ويجمع العساكر القريبة منه .
وأما ما هو على طريقه ( إلى بجاية من البلاد ) ، فكتب إليهم ليتجهزوا ويكونوا على الحركة أي وقت طلبهم ، والناس يظنون أنه يريد العبور إلى الأندلس ، فأرسل في قطع السابلة عن بلاد شرق المغرب برا وبحرا .
وسار من سبتة في صفر سنة سبع وأربعين [ وخمسمائة ] ، فأسرع السير وطوى المراحل ، والعساكر تلقاه في طريقه ، فلم يشعر أهل بجاية إلا وهو في أعمالها ، وكان ملكها يحيى بن العزيز بن حماد آخر ملوك بني حماد ، وكان مولعا بالصيد واللهو لا ينظر في شيء من أمور مملكته ، قد حكم فيها بنو حمدون ، فلما اتصل الخبر بميمون بن حمدون جمع العسكر وسار عن بجاية نحو عبد المؤمن ، فلقيهم مقدمته ، وهو يزيد على عشرين ألف فارس ، فانهزم أهل بجاية من غير قتال ، ودخلت مقدمة عبد المؤمن بجاية قبل وصول عبد المؤمن بيومين ، وتفرق جميع عسكر يحيى بن العزيز ، وهربوا برا وبحرا ، وتحصن يحيى بقلعة قسنطينة الهواء ، وهرب أخواه الحارث ، وعبد الله إلى صقلية ، ودخل عبد المؤمن بجاية ، وملك جميع بلاد ابن العزيز بغير قتال .
[ ص: 185 ] ثم إن يحيى نزل إلى عبد المؤمن بالأمان فأمنه ، وكان يحيى قد فرح لما أخذت بلاد إفريقية من الحسن بن علي فرحا ظهر عليه ، فكان يذمه ، ويذكر معايبه ، فلم تطل المدة حتى أخذت بلاده ، ووصل الحسن بن علي إلى عبد المؤمن في جزائر بني مزغنان ، وقد ذكرنا سنة ثلاث وأربعين [ وخمسمائة ] سبب مصيره إليها ، واجتمعا عنده ، فأرسل عبد المؤمن يحيى بن العزيز إلى بلاد المغرب ، وأقام بها ، وأجرى عليه شيئا كثيرا .
وأما الحسن بن علي فإنه أحسن إليه ، وألزمه صحبته ، وأعلى مرتبته ، فلزمه إلى أن فتح عبد المؤمن المهدية فجعله فيها ، وأمر واليها أن يقتدي برأيه ويرجع إلى قوله .
ولما فتح عبد المؤمن بجاية لم يتعرض إلى مال أهلها ولا غيره ، وسبب ذلك أن بني حمدون استأمنوا فوفى بأمانه .