[ ص: 169 ] ذكر بني إسرائيل في التيه ، أمر هارون ، عليه السلام ووفاة
ثم إن الله تعالى أمر موسى - عليه السلام - أن يسير ببني إسرائيل إلى أريحا بلد الجبارين ، وهي أرض بيت المقدس ، فساروا حتى كانوا قريبا منهم ، فبعث موسى اثني عشر نقيبا من سائر أسباط بني إسرائيل ، فساروا ليأتوا بخبر الجبارين ، فلقيهم رجل من الجبارين يقال له عوج بن عناق فأخذ الاثني عشر فحملهم وانطلق بهم إلى امرأته فقال : انظري إلى هؤلاء القوم الذين يزعمون أنهم يريدون أن يقتلونا ، وأراد أن يطأهم برجله ، فمنعته امرأته ، وقالت : أطلقهم ليرجعوا ويخبروا قومهم بما رأوا ، ففعل ذلك ، فلما خرجوا قال بعضهم لبعض : إنكم إن أخبرتم بني إسرائيل بخبر هؤلاء لا يقدموا عليهم ، فاكتموا الأمر عنهم ، وتعاهدوا على ذلك ورجعوا ، فنكث عشرة منهم العهد وأخبروا بما رأوا ، وكتم رجلان منهم ، وهما : يوشع بن نون ، وكالب بن يوفنا ختن موسى ، ولم يخبروا إلا موسى وهارون ، فلما سمع بنو إسرائيل الخبر عن الجبارين امتنعوا عن المسير إليهم . فقال لهم موسى : ياقوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين قالوا ياموسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون قال رجلان - وهما يوشع ، وكالب - من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون قالوا ياموسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون .
[ ص: 170 ] فغضب موسى ، فدعا عليهم ، فقال : رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ، وكانت عجلة من موسى . فقال الله تعالى : فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض . فندم موسى حينئذ . فقالوا له : فكيف لنا بالطعام ؟ فأنزل الله المن والسلوى .
فأما المن فقيل هو كالصمغ وطعمه كالشهد يقع على الأشجار ، وقيل : هو الترنجبين ، وقيل : هو الخبز الرقاق ، وقيل : هو عسل كان ينزل لكل إنسان صاع ، وأما السلوى فهو طائر يشبه السمانى . فقالوا : أين الشراب ؟ فأمر موسى فضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا لكل سبط عين . فقالوا : أين الظل ؟ فظلل عليهم الغمام فقالوا : أين اللباس ؟ فكانت ثيابهم تطول معهم ولا يتمزق لهم ثوب . ثم قالوا : ياموسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم . فلما خرجوا من التيه رفع عنهم المن والسلوى .
ثم إن موسى التقى هو وعوج بن عناق ، فوثب موسى عشرة أذرع ، وكانت عصاه عشرة أذرع ، وكان طوله عشرة أذرع ، فأصاب كعب عوج فقتله . وقيل : عاش عوج ثلاثة آلاف سنة .
ثم إن الله أوحى إلى موسى : إني متوف هارون فأت به جبل كذا وكذا . فانطلقا نحوه فإذا هم فيه بشجرة لم يروا مثلها وفيه بيت مبني ، وسرير عليه فرش ، وريح طيبة ، [ ص: 171 ] فلما رآه هارون أعجبه ، قال : يا موسى إني أريد أن أنام على هذا السرير . فقال له موسى : نم . قال : إني أخاف رب هذا البيت أن يأتي فيغضب علي . قال موسى : لا تخف أنا أكفيك . قال : فنم معي . فلما ناما أخذ هارون الموت ، فلما وجد حسه قال : يا موسى خدعتني ! فتوفي ورفع على السرير إلى السماء . ورجع موسى إلى بني إسرائيل ، فقال له بنو إسرائيل : إنك قتلت هارون لحبنا إياه . فقال : ويحكم أفترون أني أقتل أخي ! فلما أكثروا عليه صلى ودعا الله ، فنزل بالسرير حتى نظروا إليه ما بين السماء والأرض ، فأخبرهم أنه مات وأن موسى لم يقتله ، فصدقوه ، وكان موته في التيه .