ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين ومائة
ذكر زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب مقتل
في هذه السنة قتل ، قد ذكر سبب مقامه زيد بن علي بن الحسين بالكوفة وبيعته بها .
فلما أمر أصحابه بالاستعداد للخروج ، وأخذ من كان يريد الوفاء له بالبيعة يتجهز ، انطلق سليمان بن سراقة البارقي إلى فأخبره ، فبعث يوسف بن عمر يوسف في طلب زيد فلم يوجد ، وخاف زيد أن يؤخذ فيتعجل قبل الأجل الذي جعله بينه وبين أهل الكوفة ، وعلى الكوفة يومئذ الحكم بن الصلت ، وعلى شرطته عمرو بن عبد الرحمن من القارة ومعه عبيد الله بن العباس الكندي في ناس من أهل الشام ، ويوسف بن عمر بالحيرة ، قال : فلما رأى أصحاب من زيد بن علي أنه قد بلغه أمره ، وأنه يبحث عن أمره اجتمع إليه جماعة من رءوسهم وقالوا : رحمك الله ، ما قولك في يوسف بن عمر أبي بكر وعمر ؟ قال زيد : رحمهما الله وغفر لهما ، ما سمعت أحدا من أهل بيتي يقول فيهما إلا خيرا ، وإن أشد ما أقول فيما ذكرتم أنا كنا أحق بسلطان ما ذكرتم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الناس أجمعين ، فدفعونا عنه ولم يبلغ ذلك عندنا بهم كفرا ، وقد ولوا فعدلوا في الناس وعملوا بالكتاب والسنة . قالوا : فلم يظلمك هؤلاء إذا كان أولئك لم يظلموك ، فلم تدعو إلى قتالهم ؟ فقال : إن هؤلاء ليسوا كأولئك ، هؤلاء ظالمون لي ولكم ولأنفسهم ، وإنما ندعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وإلى السنن أن تحيا ، وإلى البدع أن تطفأ ، فإن أجبتمونا سعدتم ، وإن أبيتم فلست عليكم بوكيل . ففارقوه ونكثوا بيعته وقالوا : سبق الإمام ، يعنون محمدا الباقر ، وكان قد مات ، وقالوا : جعفر ابنه إمامنا اليوم بعد أبيه ، فسماهم زيد الرافضة ، وهم يزعمون أن المغيرة سماهم الرافضة حيث فارقوه .
[ ص: 267 ] وكانت طائفة أتت قبل خروج جعفر بن محمد الصادق زيد ، فأخبروه ببيعة زيد ، فقال : بايعوه فهو والله أفضلنا وسيدنا ، فعادوا وكتموا ذلك .
وكان زيد واعد أصحابه أول ليلة من صفر ، وبلغ ذلك ، فبعث إلى يوسف بن عمر الحكم يأمره أن يجمع أهل الكوفة في المسجد الأعظم يحصرهم فيه ، فجمعهم فيه ، وطلبوا زيدا في دار معاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة الأنصاري ، فخرج منها ليلا ، ورفعوا الهرادي فيها النيران ونادوا : يا منصور أمت أمت ، حتى طلع الفجر ، فلما أصبحوا بعث زيد القاسم التبعي ثم الحضرمي وآخر من أصحابه يناديان بشعارهما ، فلما كانا بصحراء عبد القيس لقيهما جعفر بن العباس الكندي فحملا عليه وعلى أصحابه ، فقتل الذي كان مع القاسم التبعي وارتث القاسم وأتي به الحكم ، فضرب عنقه ، فكانا أول من قتل من أصحاب زيد . وأغلق الحكم دروب السوق وأبواب المسجد على الناس .
وبعث الحكم إلى يوسف بالحيرة فأخبره الخبر ، فأرسل جعفر بن العباس ليأتيه بالخبر ، فسار في خمسين فارسا حتى بلغ جبانة سالم فسأل ثم رجع إلى يوسف فأخبره ، فسار يوسف إلى تل قريب من الحيرة فنزل عليه ومعه أشراف الناس ، فبعث الريان بن سلمة الأراني في ألفين ومعه ثلاثمائة من القيقانية رجالة معهم النشاب .
وأصبح زيد فكان جميع من وافاه تلك الليلة مائتي رجل وثمانية عشر رجلا ، فقال زيد : سبحان الله أين الناس ؟ فقيل : إنهم في المسجد الأعظم محصورون .
فقال : والله ما هذا بعذر لمن بايعنا ! وسمع نصر بن خزيمة العبسي النداء فأقبل إليه ، فلقي عمرو بن عبد الرحمن صاحب شرطة الحكم في خيله من جهينة في الطريق ، فحمل عليه نصر وأصحابه ، فقتل عمرو وانهزم من كان معه ، وأقبل زيد على جبانة سالم حتى انتهى إلى جبانة الصائدين وبها خمسمائة من أهل الشام ، فحمل عليهم زيد فيمن معه وهزمهم ، فانتهى زيد إلى دار أنس بن عمرو الأزدي ، وكان فيمن بايعه وهو في الدار ، فنودي فلم يجبهم ، وناداه زيد فلم يخرج إليه ، فقال زيد : ما أخلفكم ؟ قد فعلتموها ، الله حسيبكم ، ثم انتهى زيد إلى الكناسة فحمل على من بها من أهل الشام فهزمهم ، ثم [ ص: 268 ] سار زيد ويوسف ينظر إليه في مائتي رجل ، فلو قصده لقتله ، والريان يتبع أثر زيد بن علي بالكوفة في أهل الشام ، فأخذ زيد على مصلى خالد حتى دخل الكوفة ، وسار بعض أصحابه نحو جبانة مخنف بن سليم ، فلقوا أهل الشام فقاتلوهم ، فأسر أهل الشام منهم رجلا ، فأمر به فقتل . يوسف بن عمر
فلما رأى زيد خذلان الناس إياه قال : يا نصر بن خزيمة أنا أخاف أن يكونوا قد فعلوها حسينية . قال : أما أنا والله لأقاتلن معك حتى أموت ، وإن الناس في المسجد فامض بنا نحوهم . فلقيهم عبيد الله بن العباس الكندي عند دار ، فاقتتلوا ، فانهزم عمر بن سعد عبيد الله وأصحابه ، وجاء زيد حتى انتهى إلى باب المسجد ، فجعل أصحابه يدخلون راياتهم من فوق الأبواب ويقولون : يا أهل المسجد اخرجوا من الذل إلى العز ، اخرجوا إلى الدين والدنيا فإنكم لستم في دين ولا دنيا . فرماهم أهل الشام بالحجارة من فوق المسجد .
وانصرف الريان عند المساء إلى الحيرة ، وانصرف زيد فيمن معه ، وخرج إليه ناس من أهل الكوفة فنزل دار الرزق ، فأتاه الريان بن سلمة فقاتله عند دار الرزق وجرح أهل الشام ومعهم ناس كثير ، ورجع أهل الشام مساء يوم الأربعاء أسوأ شيء ظنا .
فلما كان الغد أرسل يوسف بن عمر العباس بن سعيد المزني في أهل الشام فانتهى إلى زيد في دار الرزق ، فلقيه زيد وعلى مجنبته نصر بن خزيمة ومعاوية بن إسحاق بن زيد بن ثابت فاقتتلوا قتالا شديدا ، وحمل نابل بن فروة العبسي من أهل الشام على نصر بن خزيمة فضربه بالسيف فقطع فخذه ، وضربه نصر فقتله ، ولم يلبث نصر أن مات واشتد قتالهم ، فانهزم أصحاب العباس وقتل منهم نحو من سبعين رجلا .
فلما كان العشاء عبأهم ثم سرحهم ، فالتقوا هم وأصحاب يوسف بن عمر زيد ، فحمل عليهم زيد في أصحابه فكشفهم وتبعهم حتى أخرجهم إلى السبخة ، ثم حمل عليهم بالسبخة حتى أخرجهم إلى بني سليم ، وجعلت خيلهم لا تثبت لخيله ، فبعث العباس إلى يوسف يعلمه ذلك وقال له : ابعث إلي الناشبية ، فبعثهم إليه ، فجعلوا يرمون أصحاب زيد ، فقاتل معاوية بن إسحاق الأنصاري بين يدي زيد قتالا شديدا ، فقتل وثبت ومن معه إلى الليل ، فرمي زيد بن علي زيد بسهم فأصاب جانب جبهته اليسرى [ ص: 269 ] فثبت في دماغه ، ورجع أصحابه ولا يظن أهل الشام أنهم رجعوا إلا للمساء والليل ، ونزل زيد في دار من دور أرحب ، وأحضر أصحابه طبيبا ، فانتزع النصل ، فضج زيد ، فلما نزع النصل مات زيد ، فقال أصحابه : أين ندفنه ؟ قال بعضهم : نطرحه في الماء . وقال بعضهم : بل نحتز رأسه ونلقيه في القتلى . فقال ابنه يحيى : والله لا تأكل لحم أبي الكلاب . وقال بعضهم : ندفنه في الحفرة التي يؤخذ منها الطين ونجعل عليه الماء ، ففعلوا ، فلما دفنوه أجروا عليه الماء ، وقيل : دفن بنهر يعقوب ، سكر أصحابه الماء ودفنوه وأجروا الماء ، وكان معهم مولى لزيد سندي ، وقيل رآهم فسار فدل عليه ، وتفرق الناس عنه ، وسار ابنه يحيى نحو كربلاء فنزل بنينوى على سابق مولى بشر بن عبد الملك بن بشر .
ثم إن تتبع الجرحى في الدور ، فدله السندي مولى يوسف بن عمر زيد يوم الجمعة على زيد ، فاستخرجه من قبره وقطع رأسه وسير إلى وهو يوسف بن عمر بالحيرة ، سيره الحكم بن الصلت ، فأمر يوسف أن يصلب زيد بالكناسة هو ونصر بن خزيمة ومعاوية بن إسحاق وزياد النهدي ، وأمر بحراستهم ، وبعث الرأس إلى هشام ، فصلب على باب مدينة دمشق ، ثم أرسل إلى المدينة وبقي البدن مصلوبا إلى أن مات هشام وولي الوليد فأمر بإنزاله وإحراقه . وقيل : كان خراش بن حوشب بن يزيد الشيباني على شرطة زيد ، وهو الذي نبش زيدا وصلبه ، فقال السيد الحموي :
بت ليلا مسهدا ساهر العين مقصدا ولقد قلت قولة
وأطلت التبلدا لعن الله حوشبا
وخراشا ومزيدا ويزيدا فإنه
كان أعتى وأعندا ألف ألف وألف أل
ف من اللعن سرمدا إنهم حاربوا الإل
ه وآذوا محمدا
[ ص: 270 ] شركوا في دم المطه
ر زيد تعندا ثم عالوه فوق جذ
ع صريعا مجردا يا خراش بن حوشب
أنت أشقى الورى غدا
فواراه عنده [ ليلة ] ، ثم خاف فأتى به عبد الملك بن بشر بن مروان فقال له : إن قرابة زيد بك قريبة وحقه عليك واجب . قال : أجل ولقد كان العفو عنه أقرب للتقوى . قال : فقد قتل وهذا ابنه غلام حدث لا ذنب له ، فإن علم يوسف به قتله ، أفتجيره ؟ قال : نعم ، فأتاه به فأقام عنده ، فلما سكن الطلب سار في نفر من الزيدية إلى خراسان . فغضب بعد قتل يوسف بن عمر زيد فقال : يا أهل العراق ، إن يحيى بن زيد ينتقل في حجال نسائكم كما كان يفعل أبوه ، والله لو بدا لي ( لعرقت خصييه كما عرقت خصيي أبيه ) ! وتهددهم وذمهم وترك .