ذكر من طغتكين الفرنج انهزام
في هذه السنة ، في شعبان ، انهزم من أتابك طغتكين الفرنج .
وسبب ذلك أن حصن عرقة ، وهو من أعمال طرابلس ، كان بيد غلام للقاضي فخر الملك أبي علي بن عمار ، صاحب طرابلس ، وهو من الحصون المنيعة ، فعصى على مولاه ، فضاق به القوت ، وانقطعت عنه الميرة ، لطول مكث الفرنج في نواحيه ، فأرسل إلى ، صاحب أتابك طغتكين دمشق ، وقال له : أرسل من يتسلم هذا الحصن مني ، قد عجزت عن حفظه ، ولأن يأخذه المسلمون خير لي دنيا وآخرة من أن يأخذه الفرنج . فبعث إليه صاحبا له اسمه طغتكين إسرائيل ، في ثلاثمائة رجل ، فتسلم الحصن ، فلما نزل غلام ابن عمار منه رماه إسرائيل في الأخلاط ، بسهم فقتله ، وكان قصده بذلك أن لا يطلع على ما خلفه بالقلعة من المال . أتابك طغتكين
وأراد قصد الحصن للاطلاع عليه ، وتقويته بالعساكر ، والأقوات ، وآلات الحرب ، فنزل الغيث والثلج مدة شهرين ، ليلا ونهارا ، فمنعه ، فلما زال ذلك سار في أربعة آلاف فارس ، ففتح حصونا للفرنج منها طغتكين حصن الأكمة .
فلما سمع السرداني الفرنجي بمجيء ، وهو على حصار طغتكين طرابلس ، توجه في ثلاثمائة فارس ، [ ص: 572 ] فلما أشرف أوائل أصحابه على عسكر انهزموا وخلوا ثقلهم ورحالهم ودوابهم للفرنج ، فغنموا ، وقووا به ، وزاد في تجملهم . طغتكين
ووصل المسلمون إلى حمص ، على أقبح حال من التقطع ، ولم يقتل منهم أحد لأنه لم تجر حرب ، وقصد السرداني إلى عرقة ، فلما نازلها طلب من كان بها الأمان ، فأمنهم على نفوسهم ، وتسلم الحصن ، فلما خرج من فيه قبض على إسرائيل ، وقال : لا أطلقه إلا بإطلاق فلان ، وهو أسير كان بدمشق من الفرنج ، منذ سبع سنين ، ففودي به وأطلقا معا .
ولما وصل إلى طغتكين دمشق ، بعد الهزيمة ، أرسل إليه ملك القدس يقول له : لا تظن أنني أنقض الهدنة للذي تم عليك من الهزيمة ، فالملوك ينالهم أكثر مما نالك ، ثم تعود أمورهم إلى الانتظام والاستقامة ، وكان خائفا أن يقصده بعد هذه الكسرة فينال من بلده كل ما أراد . طغتكين