ذكر حمص ، وغيرها من ساحل الشام لما كان السلطان استيلاء تتش على ببغداذ قدم إليه أخوه تاج الدولة تتش من دمشق ، وقسيم الدولة آقسنقر من حلب ، وبوزان من الرها ، فلما أذن لهم السلطان في العود إلى بلادهم أمر قسيم الدولة وبوزان أن يسيرا مع عساكرهما في خدمة أخيه تاج الدولة ، حتى يستولي على ما للخليفة المستنصر العلوي ، بساحل الشام ، من البلاد ، ويسير ، وهم معه ، إلى مصر ليملكها .
فساروا أجمعون إلى الشام ، ونزل على حمص ، وبها صاحبها ، [ ص: 353 ] وكان الضرر به ، وبأولاده عظيما على المسلمين ، فحصروا البلد ، وضيقوا على من به ، فملكه ابن ملاعب تاج الدولة ، وأخذ وولديه ، وسار إلى ابن ملاعب قلعة عرقة فملكها عنوة ، وسار إلى قلعة أفامية فملكها أيضا ، وكان بها خادم للمصري ، فنزل بالأمان فأمنه ، ثم سار إلى طرابلس فنازلها ، فرأى صاحبها جلال الملك بن عمار جيشا لا يدفع إلا بحيلة ، فأرسل إلى الأمراء الذين مع تاج الدولة ، وأطمعهم ليصلحوا حاله ، فلم ير فيهم مطمعا .
وكان مع وزير له اسمه قسيم الدولة آقسنقر زرين كمر ، فراسله ابن عمار فرأى عنده لينا ، فأتحفه ، وأعطاه ، فسعى مع صاحبه قسيم الدولة في إصلاح حاله ليدفع عنه ، وحمل له ثلاثين ألف دينار ، وتحفا بمثلها ، وعرض عليه المناشير التي بيده من السلطان بالبلد ، والتقدم إلى النواب بتلك البلاد بمساعدته ، والشد معه ، والتحذير من محاربته ، فقال آقسنقر : لا أقاتل من هذه المناشير بيده ، فأغلظ له لتاج الدولة تتش تاج الدولة ، وقال : هل أنت إلا تابع لي ؟ فقال آقسنقر : أنا أتابعك إلا في معصية السلطان ، ورحل من الغد عن موضعه ، فاضطر تاج الدولة إلى الرحيل ، فرحل غضبان ، وعاد بوزان أيضا إلى بلاده ، فانتقض هذا الأمر .