ذكر الخصيبي ووزارة علي بن عيسى عزل
في هذه السنة ، في ذي القعدة ، عزل المقتدر أبا العباس الخصيبي عن الوزارة . وكان سبب ذلك أن الخصيبي أضاق إضاقة شديدة ، ووقفت أمور السلطان لذلك ، واضطرب أمر الخصيبي .
وكان حين ولي الوزارة قد اشتغل بالشرب كل ليلة ، وكان يصبح سكران لا قصد فيه لعمل وسماع حديث ، وكان يترك الكتب الواردة الدواوين لا يقرؤها إلا بعد مدة ، ويهمل الأجوبة عنها ، فضاعت الأموال ، وفاتت المصالح ، ثم إنه لضجره وتبرمه بها وبغيرها من الأشغال ، وكل الأمور إلى نوابه ، وأهمل الاطلاع عليها ، فباعوا مصلحته بمصلحة نفوسهم .
فلما صار الأمر إلى هذه الصورة أشار بعزله ، وولاية مؤنس المظفر علي بن عيسى ، فقبض عليه ، وكانت وزارته سنة وشهرين ، وأخذ ابنه وأصحابه فحبسوا ، وأرسل المقتدر [ ص: 706 ] بالله بالغد ( إلى دمشق يستدعي علي بن عيسى ، وكان بها . وأمر المقتدر ) أبا القاسم عبيد الله بن محمد الكلوذاني بالنيابة عن علي بن عيسى إلى أن يحضر ، فسار علي بن عيسى إلى بغداذ ، فقدمها أوائل سنة خمس عشرة [ وثلاثمائة ] ، واشتغل بأمور الوزارة ، ولازم النظر فيها ، فمشت الأمور ، واستقامت الأحوال .
وكان من أقوم الأسباب في ذلك أن الخصيبي ( كان قد ) اجتمع عنده رقاع المصادرين ، وكفالات من كفل منهم ، وضمانات العمال بما ضمنوا من المال بالسواد ، والأهواز ، وفارس ، والمغرب ، فنظر فيها علي ، وأرسل في طلب تلك الأموال ، فأقبلت إليه شيئا بعد شيء ، فأدى الأرزاق ، وأخرج العطاء ، وأسقط من الجند من لا يحمل السلاح ، ومن أولاد المرتزقة من هو في المهد ، فإن آباءهم أثبتوا أسماءهم ، ومن أرزاق المغنين ، والمساخرة ، والندماء ، والصفاعنة ، وغيرهم ، مثل الشيخ الهرم ، ومن ليس له سلاح ، فإنه أسقطهم ، وتولى الأعمال بنفسه ليلا ونهارا ، واستعمل العمال في الولايات ، واختار الكفاة .
وأمر المقتدر بالله بمناظرة ، فأحضره ، وأحضر الفقهاء والقضاة والكتاب وغيرهم ، وكان علي وقورا لا يسفه ، فسأله عما صح من الأموال من الخراج ، والنواحي ، والأصقاع والمصادرات والمتكلفين بها ، ومن البواقي القديمة إلى غير ذلك ، فقال : لا أعلمه . أبي العباس الخصيبي
وسأله عن الإخراجات ، والواصل إلى المخزن ، فقال : لا أعرفه ، وقال له : لم أحضرت يوسف بن أبي الساج ، وسلمت إليه أعمال المشرق ، سوى أصبهان ، وكيف تعتقد أنه يقدر هو وأصحابه ، وهم قد ألفوا البلاد الباردة الكثيرة المياه ، على سلوك البرية القفراء ، والصبر على حر بلاد الإحساء والقطيف ، ولم لم تجعل معه منفقا يخرج [ ص: 707 ] المال على الأجناد ؟ فقال : ظننت أنه يقدر على قتال القرامطة ، وامتنع من أن يكون معه منفق .
فقال له : كيف استجزت في الدين والمروءة ضرب حرم المصادرين وتسليمهن إلى أصحابك ، كامرأة ابن الفرات وغيره ، فإن كانوا فعلوا ما لا يجوز ألست أنت السبب في ذلك ؟
ثم سأله عن الحاصل له ، وعن إخراجاته ، فخلط في ذلك ، فقال له : غررت ( بنفسك ، وغررت ) بأمير المؤمنين ، ألا قلت له إنني لا أصلح للوزارة ، فقد كان الفرس ، إذا ( أرادوا أن ) يستوزروا وزيرا ، نظروا في تصرفه لنفسه ( فإن وجدوه حازما ، ضابطا ، ولوه ، وإلا قالوا : من لا يحسن يدبر نفسه ) فهو عن غير ذلك أعجز ، وتركوه ، ثم أعاده إلى محبسه .