ذكر أهل صقلية للمقتدر وعودهم إلى طاعة المهدي العلوي طاعة
قد ذكرنا سنة سبع وتسعين ومائتين استعمال المهدي علي بن عمر على صقلية ، فلما وليها كان شيخا لينا ، فلم يرض أهل صقلية بسيرته ، فعزلوه عنهم ، وولوا على أنفسهم أحمد بن قرهب ، فلما ولي سير سرية إلى أرض قلورية ، فغنموا منها ، وأسروا من الروم وعادوا .
وأرسل سنة ثلاثمائة ابنه عليا إلى قلعة طبرمين المحدثة في جيش ، وأمره بحصرها ، وكان غرضه إذا ملكها أن يجعل بها ولده وأمواله وعبيده ، فإذا رأى منأهل صقلية ما يكره امتنع بها ، فحصرها ( ابنه ستة ) أشهر ، ثم اختلف العسكر عليه ، وكرهوا المقام ، فأحرقوا خيمته ، وسواد العسكر ، وأرادوا قتله ، فمنعهم العرب .
[ ص: 620 ] ودعا أحمد بن قرهب الناس إلى طاعة المقتدر ، فأجابوه إلى ذلك ، فخطب له بصقلية ، وقطع خطبة المهدي ، وأخرج ابن قرهب جيشا في البحر إلى ساحل إفريقية ، فلقوا هناك أسطول المهدي ومقدمه الحسن بن أبي خنزير ، فأحرقوا الأسطول ، وقتلوا الحسن ، وحملوا رأسه إلى ابن قرهب ، وسار الأسطول الصقلي إلى مدينة سفاقس ، فخربوها ، وساروا إلى طرابلس ، فوجدوا فيها القائم بن المهدي ، فعادوا .
ووصلت الخلع السود والألوية إلى ابن قرهب من المقتدر ، ثم أخرج مراكب فيها جيش إلى قلورية ، فغنم جيشه ، وخربوا وعادوا ، وسير أيضا أسطولا إلى إفريقية ، فخرج عليه أسطول المهدي ، فظفروا بالذي لابن قرهب وأخذوه ، ولم يستقم بعد ذلك لابن قرهب حال ، وأدبر أمره ، وطمع فيه الناس ، وكانوا يخافونه .
وخاف منه أهل جرجنت ، وعصوا أمره ، وكاتبوا المهدي ، فلما رأى ذلك أهل البلاد كاتبوا المهدي أيضا ، وكرهوا الفتنة ، وثاروا بابن قرهب ، وأخذوه أسيرا سنة ثلاثمائة وحبسوه ، وأرسلوه إلى المهدي مع جماعة من خاصته ، فأمر بقتلهم على قبر ابن خنزير ، فقتلوا ، واستعمل على صقلية أبا سعيد موسى بن أحمد ، وسير معه جماعة كثيرة من شيوخ كتامة ، فوصلوا إلى طرابنش .
وسبب إرسال العسكر معه أن ابن قرهب كان قد كتب إلى المهدي يقول له : إن أهل صقلية يكثرون الشغب على أمرائهم ، ولا يطيعونهم ، وينهبون أموالهم ، ولا يزول ذلك إلا بعسكر يقهرهم ويزيل الرئاسة عن رؤسائهم ، ففعل المهدي ذلك ، فلما وصل معه العسكر خاف منه أهل صقلية ، فاجتمع عليه أهل جرجنت وأهل المدينة وغيرها ، فتحصن منهم أبو سعيد وعمل على نفسه سورا إلى البحر ، وصار المرسى معه [ ص: 121 ] فاقتتلوا ، فانهزم أهل صقلية ، وقتل جماعة من رؤسائهم ، ( وأسر جماعة ) وطلب أهل المدينة الأمان ، فأمنهم إلا رجلين هما أثارا الفتنة ، فرضوا بذلك وتسلم الرجلين ، وسيرهما إلى المهدي بإفريقية ، وتسلم المدينة ، وهدم أبوابها ، وأتاه كتاب المهدي يأمره بالعفو عن العامة .