فأما أن يقال: إن في كلام الله ورسوله ما ظاهره كفر وإلحاد، من غير بيان من الله ورسوله لما يزيل الفساد ويبين المراد، فهذا هو الذي تقول الذين كفروا من المشركين وأهل الكتاب، وهو الذي لا يوجد في كلام الله أبدا. أعداء الرسل،
وإيضاح ذلك في: [ ص: 234 ] الوجه السابع والعشرون
وهو أن نقول: الذين يعارضون كلام الله وكلام رسوله بعقولهم: إن كانوا من الفلاسفة والقرامطة. قالوا إن الرسل أبطنت خلاف ما أظهرت لأجل مصلحة الجمهور، حتى يؤول الأمر بهم إلى إسقاط الواجبات واستحلال المحرمات: إما للعامة. وإما للخاصة دون العامة، ونحو ذلك مما يعلم كل مؤمن أنه فاسد مخالف لما علم بالاضطرار من دين الإسلام، وإن كانوا من أهل الفقه والكلام والتصوف الذين لا يقولون: ذلك، فلا بد لهم من التأويل الذي هو صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح. ملاحدة
ولفظ (التأويل) يراد به التفسير، كما يوجد في كلام المفسرين: وغيره. ابن جرير
ويراد به حقيقة ما يؤول إليه الكلام، وهو المراد بلفظ التأويل في القرآن.
وهذان الوجهان لا ريب فيهما، والتأويل بمعنى التفسير والبيان. كان السلف يعلمونه ويتكلمون فيه. وأما بالمعنى الثاني، فمنه ما لا يعلمه إلا الله. ولهذا كانوا يثبتون العلم بمعاني القرآن، وينفون العلم بالكيفية، كقول وغيره: الاستواء معلوم، والكيف مجهول. [ ص: 235 ] مالك
فالعلم بالاستواء من باب التفسير، وهو التأويل الذي نعلمه. وأما الكيف فهو التأويل الذي لا يعلمه إلا الله، وهو المجهول لنا.
صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح، وهذا هو الذي تدعيه ويراد بالتأويل في اصطلاح كثير من المتأخرين: والقدر ونحو ذلك من نصوص الكتاب والسنة. نفاة الصفات
وهؤلاء قولهم متناقض، فإنهم بنوه على أصلين فاسدين: فإنهم يقولون: لا بد من تأويل بعض الظواهر، كما في قوله: جعت فلم تطعمني.
وقوله: الحجر الأسود يمين الله في الأرض، ونحو ذلك. ثم أي نص خالف رأيهم جعلوه من هذا الباب، فيجعلون تارة المعنى الفاسد هو الظاهر، ليجعلوا في موضع آخر المعنى الظاهر فاسدا، وهم مخطئون في هذا وهذا.
ومضمون كلامهم أن كلام الله ورسوله في ظاهره كفر وإلحاد، من غير بيان من الله ورسوله للمراد.
وهذا قول ظاهر الفساد، وهو أصل قول أهل الكفر والإلحاد.