قلت: فهذه لما في العطف من الإشعار بالتغاير، وهم لا يطلقون على الصفات إنها غير الذات. الطريقة التي سلكها هؤلاء في أنهم يقولون عن الذات: إنها قديمة، وعن الصفات إنها قديمة، ولا يقولون عن الذات والصفات: إنهما قديمان،
ولهم في لفظ المغايرة ثلاث طرق: أحدها - وهي طريق الأئمة، وغيره، وأظنها قول كالإمام أحمد وغيره، وقد ذكرها ابن كلاب - أنهم لا يقولون عن الصفة إنها الموصوف، ولا يقولون إنها غيره، ولا يقولون: ليست هي الموصوف ولا غيره، لأن لفظ "الغير" مجمل، فلا ينفونه عند الإطلاق ولا يثبتونه. أبو إسحاق الإسفراييني
والطريقة الثانية - وهي المحكية عن نفسه، أنه قال: أقول مفرقا: إن الصفة ليست هي الموصوف، وأقول إنها ليست غير الموصوف، لكن لا أجمع بين السلبين، فأقول: ليست الموصوف ولا غيره. وهكذا الأشعري أبو الحسن التميمي، ومن سلك هذه الطريقة، يقولون في العلم ونحوه من الصفات: إنه ليس غير الله، وإن الصفات ليست متغايرة، كما يقولون: إنها ليست هي الله، كما يقولون إن الموصوف قديم، والصفة قديمة، ولا يقولون عند الجمع: قديمان، كما لا يقال عند الجمع: لا هو الموصوف ولا غيره.
والثالثة قول من يجمع بين السلبين، كما هي طريقة ابن الباقلاني وغيرهما، وهؤلاء قد يطلقون القول بإثبات قديمين: أحدهما الصفة، والآخر الموصوف، كما ذكروا ذلك في كتبهم. وإذا احتج عليهم والقاضي أبي يعلى المعتزلة بأنه إذا كانت صفاته قديمة وجب إثبات قديمين، [ ص: 50 ] ولو كان علمه قديما لكان إلها. أجابوهم بأن كونهما قديمين لا يوجب تماثلهما، كالسواد والبياض اشتركا في كونهما مخالفين للجوهر، ومع هذا لا يجب تماثلهما، وأنه ليس معنى القديم معنى الإله، لأن القديم هو ما بولغ له في الوصف بالتقدم، ومنه بناء قديم ودار قديمة إذا بولغ له في الوصف بالتقدم. وليس معنى الإله مأخوذا من هذا، ولأن النبي محدث وصفاته محدثة، وليس إذا كان الموصوف نبيا وجب أن يكون صفاته أنبياء لكونها محدثة، كذلك لا يجب إذا كانت الصفات قديمة والموصوف بها قديما، أن تكون آلهة لكونها قديمة، وبسط الكلام على ذلك له موضع آخر.