قلت: هذا هو الاعتراض الذي ذكره وقد ذكره غيرهما، والظاهر أن الأرموي، تلقى هذا عن الأرموي وهم يقولون: الآمدي، وليس فيه مقارنة السابق للمسبوق. وهذا الذي قالوه صحيح. لكن قد يقال: هذا الاعتراض إنما يصح لو كان احتج بأن في ذلك مقارنة السابق للمسبوق فقط، وهو لم يحتج إلا بأن العدمات تجتمع في الأزل، وليس معها [ ص: 35 ] شيء من الموجودات، إذ لو كان معها موجود لكان هذا الموجود مقارنا لتلك العدمات المجتمعة، ومنها عدمه، فاقترن السابق والمسبوق، فعمدته اجتماعها في الأزل. اجتماع الأعدام لا معنى له سوى أنها مشتركة في عدم البداية والأولية، وحينئذ فعدم كل حركة يمكن أن يقارنه وجود أخرى،
وقد قالوا له: إن عنيت باجتماعها تحققها بأسرها معا حينا، فهو ممنوع، لأنه ما من حين يفرض إلا وينتهي واحد منها. وهو يقول: أنا لم أعن باجتماعها في حين حادث، ليلزمني انتهاء واحد منها، وإنما قلت: هي مجتمعة في الأزل.
وفصل الخطاب أن يقال: العدم ليس بشيء، وليس لعدم هذه الحركة حقيقة ثابتة مغايرة لعدم الأخرى، حتى يقال: إن أعدامها اجتمعت في الأزل، أو لم تجتمع، بل معنى حدوث كل منها أنها كانت بعد أن لم تكن، وكون الحوادث كلها مشتركة في أنها لم تكن لا يوجب أن يكون عدم كونها حقائق متغايرة ثابتة في الأزل.
يوضح ذلك أن يقال: أتعني بكونها مسبوقة بالعدم أن جنسها مسبوق بالعدم، أو كل واحد منها مسبوق بالعدم؟ أما الأول فهو محل النزاع، وأما الثاني فإذا قدر أن كل واحد كان بعد أن لم يكن - والجنس لم يزل كائنا - لم يجز أن يقال: الجنس كائن بعد أن لم يكن، ولا يلزم من كون كل من أفراده مسبوقا بعدم أن يكون الجنس مسبوقا بالعدم، إلا إذا ثبت حدوث الجنس، وهو محل النزاع. وعدم الحوادث هو نوع واحد ينقضي بحسب الحدوث، فكلما حدث حادث انقضى من ذلك العدم ذلك الحادث، ولم ينقض عدم غيره، فالأزلي حينئذ عدم أعيان الحوادث، كما أن الأزلي عند من يقول بأنه لا [ ص: 36 ] أول لها هو جنس الحوادث، فجنس وجودها أزلي، وعدم كل من أعيانها أزلي، ولا منافاة بين هذا وهذا إلا أن يثبت وجوب البداية، وهو محل النزاع.