قال: ومن البدع التي حدثت في هذا الباب سؤال في الصفات: هل هي الذات أو زائدة على الذات؟ ثم هل هي صفة نفسية أو صفة معنوية؟
ويعني بالنفسية التي توصف بها الذات لنفسها، لا لقيام معنى [ ص: 226 ] فيها زائد على الذات، مثل قولنا: واحد قديم.
والمعنوية التي توصف بها الذات لقيام معنى فيها، فإن الأشعرية يقولون: إن هذه الصفات هي صفات معنوية، وإنها زائدة على الذات، فيقولون: إنه عالم بعلم زائد على ذاته، وحي بحياة زائدة على ذاته، كالحال في الشاهد.
ويلزمهم على هذا أن يكون الخالق جسما؛ لأنه يكون هناك صفة وموصوف، وحامل ومحمول، وهذه هي حال الجسم.
وذلك أن الذات لا بد أن يقولوا: إنها قائمة بذاتها، والصفات قائمة بها، أو يقولوا: إن كل واحد منها قائم بنفسه، أو يقولوا: إن الذات تقوم بالصفات، فإن قالوا: إن كل واحد منهما قائم بنفسه، فالآلهة كثيرة.
وهذا قول النصارى الذين زعموا أن الأقاليم ثلاثة: أقنوم الوجود والحياة والعلم.
وقد قال تعالى في هؤلاء: لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة [المائدة: 72]، وإن قالوا: أحدهما قائم بنفسه، والآخر قائم [ ص: 227 ] به، فقد أوجبوا أن يكون جوهرا وعرضا؛ لأن الجوهر هو القائم بذاته، والعرض هو القائم بغيره، والمؤلف من جوهر وعرض جسم ضرورة.
وكذلك قول المعتزلة في هذا الجواب. إن الذات والصفات شيء واحد هو أمر بعيد من المعارف الأول، بل يظن أنه مضاد لها، وذلك أنه يظن أن من المعارف الأول أن العلم يجب أن يكون غير العالم، وأنه ليس يجوز أن يكون العلم هو العالم، إلا لو جاز أن يكون أحد المتضايفين، مثل أن يكون الأب والابن معا واحدا بعينه، فهذا تعليم بعيد عن أفهام الجمهور، والتصريح به بدعة، وهو أن يضلل الجمهور أحرى منه أن يرشدهم.
وليس عند المعتزلة برهان على وجوب هذا في الأول سبحانه؛ إذ ليس عندهم برهان، ولا عند المتكلمين على الجسمية أو نفي الجسمية عنه برهان، فإن نفي الجسمية عنه انبنى على وجوب الحدوث للجسم بما هو جسم. [ ص: 228 ]
وقال: وقد بينا في صدر هذا الكتاب أنه ليس عندهم برهان على ذلك، وأن الذين عندهم برهان على ذلك هم العلماء. ومن هذا الموضع زل النصارى، وذلك أنهم اعتقدوا كثرة الأوصاف، واعتقدوا أنها جواهر لا قائمة بغيرها، بل قائمة بنفسها كالذات، واعتقدوا أن الصفات التي بهذه الحال هما صفتان: العلم، والحياة.