قال في كتابه هذا الكبير : "الفصل الرابع في أن الجواهر متجانسة غير متحدة : اتفقت الأشاعرة وأكثر المعتزلة على أن الجواهر متماثلة متجانسة ، وذهب النظام والنجار من المعتزلة بناء على قولهما [ ص: 177 ] بتركب الجواهر من الأعراض إلى أن الجواهر إن تركبت من الأعراض المختلفة فهي مختلفة، ولهذا فإنا ندرك الاختلاف بين بعض الجواهر كالاختلاف الواقع بين النار والهواء والماء والتراب ضرورة ، كما يدرك الاختلاف بين السواد والبياض ، والحرارة والبرودة ، والرطوبة واليبوسة، وسائر الأعراض المختلفة" .
قال : "وهو باطل. إما كون الجواهر مركبة من الأعراض فيما سبق. وإما ما ندركه من الاختلاف بين الجواهر، كالأمثلة المضروبة، فلا نسلم أنه عائد إلى اختلاف الجواهر في أنفسها ، بل هو عائد إلى الأعراض القائمة ، واختلاف الأعراض لا يدل على اختلاف المعروض له في نفسه" .
قلت : النجار ليس هو من المعتزلة ، بل هو رأس مقالة ، وهو يخالف المعتزلة في القدر فيثبته ، وفي غير ذلك من أصول المعتزلة، لكنه [ ص: 178 ] يوافقهم على نفي الصفات، ويخالفهم أيضا في تماثل الأسماء والأحكام والوعيد .
وجمهور الناس على أن الأجسام مختلفة: من الفلاسفة والمتكلمين وغيرهم. وقد ذكر في "مقالاته" النزاع في ذلك . الأشعري
والمقصود هنا اعترافه بأنه لا حجة للقائلين بالتماثل ، فإنه قال : "فإن قيل ما ذكرتموه ، وإن دل على إبطال مأخذ القائلين بالاختلاف، فما دليلكم في التماثل والتجانس؟ فلئن قلتم : دليل التماثل اشتراك جميع الجواهر في صفات نفس الجوهر ، وهي التحيز وقبول الأعراض والقيام بنفسه ، فنقول : وما المانع من كون الجواهر مختلفة بذواتها ، وإن اشتركت فيما ذكرتموه من الصفات؟ فإنه لا مانع من اشتراك المختلفات في عوارض عامة لها ، وإنما يثبت كون ما ذكرتموه صفات نفس الجوهر أن لو لم يكن الجواهر مختلفة ، وهذه أعراض عامة لها ، وإنما يمتنع كون الجواهر مختلفة ، وأن هذه أعراض [ ص: 179 ] عامة لها، أن لو كانت هذه الصفات صفات نفس الجوهر ، وهو دور ممتنع" .
قال: "واعلم أن طرق أهل الحق في إثبات المجانسة ، وإن اختلفت عباراتها، فكلها آيلة إلى ما ذكر، وما قيل عليه من الإشكال فلازم لا مخلص منه إلا بأن يقال : نحن غير كونها مشتركة فيما ذكرناه من الصفات ، وعند ذلك فحاصل النزاع يرجع إلى التسمية، لا إلى نفس المعنى" . لا نعني بتجانس الجواهر