وقد أورد على ابن رشد في هذا كلاما، بعضه من باب [ ص: 164 ] الأسولة اللفظية وبعضه من باب الأسولة المعنوية، فقال عن الدليل الذي ذكره لهم في إثبات العلة الأولى. (هذا كلام مقنع غير صحيح، فإن أبي حامد وكذلك لو كان هذا جواب اسم العلة يقال باشتراك الاسم على العلل الأربع، أعني: الفاعل، والصورة، والهيولى، والغاية. الفلاسفة لكان جوابا مختلا، فإنهم كانوا يسألون عن أي علة أرادوا بقولهم: إن العالم له علة أولى، فإن قالوا: أردنا بذلك السبب الفاعل الذي فعله لم يزل ولا يزال، مفعوله هو فعله، لكان جوابا صحيحا على مذهبهم، على ما قلنا غير معترض عليه. ولو قالوا: أردنا به السبب المادي لكان قولهم معترضا.
وكذلك لو قالوا: أردنا به السبب الصوري لكان معترضا أن فرضوا صورة العالم قائمة به.
وإن قالوا: أردنا به صورة مقارنة للمادة، جرى قولهم على مذهبهم. [ ص: 165 ]
وإن قالوا: صورة هيولانية، لم يكن المبدأ عندهم شيئا غير جسم من الأجسام، وهذا لا يقولون به.
وكذلك إن قالوا: هو سبب على طريق الغاية، كان جاريا أيضا على أصولهم.
وإذا كان هذا الكلام فيه من الاحتمال ما ترى، فكيف يصح أن يجعل جوابا للفلاسفة؟) .
وبسط الكلام بسطا لا يرد على فإنه قد علم أنه أراد بالعلة هنا العلة الفاعلة، لا الأقسام الثلاثة، وهم يسمون المبدأ الأول العلة الأولى، ويقولون: كل ما سواه صادر عنه، فالذي ذكره تقرير مذهبهم - كما يقولونه - على أحسن وجه، فلا حاجة إلى مؤاخذة لفظية، وهو كون العلة لفظا مشتركا، فإن هذا من باب الإعنات في الخطاب، والخروج عن المقصود. أبي حامد،
والاستفسار مع ظهور المقصود، نوع من اللدد في الكلام، وأبغض الرجال إلى الله الألد الخصم.