وأما فأكثر من أن تحصر، وقد ذكر منها دلالة الكتاب والسنة على هذا الأصل وغيره من العلماء في الرد على الإمام أحمد الجهمية ما جمعوه، كما ذكر الخلال في " كتاب السنة "، قال: "أخبرنا المروزي قال: هذا ما جمعه واحتج به على أبو عبد الله الجهمية من القرآن، وكتبه بخطه، وكتبته من كتابه، فذكر المروزي آيات كثيرة، دون ما ذكر الخضر بن أحمد بن عبد الله بن أحمد، وقال فيه: سمعت [ ص: 116 ] يقول: في القرآن عليهم من الحجج في غير موضع - يعني الجهمية -. أبا عبد الله
قال الخلال: وأنبأنا الخضر بن أحمد المثنى الكندي سمعت قال: وجدت هذا الكتاب بخط أبي، فيما احتج به على عبد الله بن أحمد بن حنبل الجهمية، وقد ألف الآيات إلى الآيات في السور، فذكر آيات كثيرة تدل على هذا الأصل، مثل قوله تعالى: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون [ سورة البقرة: 186] وقوله تعالى: بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون [ سورة البقرة: 117] وقوله إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة [ سورة البقرة: 174] وقوله تعالى: قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها [ سورة المجادلة: 1] وقوله تعالى: لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء [ سورة آل عمران: 181] وقوله تعالى: إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم إلى قوله تعالى - كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون [ سورة آل عمران 45 - 47] وقوله تعالى إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون [ سورة آل عمران: 59] [ ص: 117 ] وقول تعالى إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة [ سورة آل عمران: 77] وقوله تعالى وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك [ سورة الأنعام: 73].
وكلم الله موسى تكليما [ سورة النساء: 164] وقوله: ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه [ سورة الأعراف: 143].
ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون [ سورة يونس: 19].
ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب [ سورة هود: 110].
ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم [ سورة الشورى: 21]، وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين [ سورة هود: 119]، نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين [ سورة يوسف: 3]، وقوله: قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي [ سورة الكهف: 109].
وقال تعالى: فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري [ سورة طه: 11 - 14] إلى [ ص: 118 ] قوله: - إنني معكما أسمع وأرى [ سورة طه: 46]، وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني [ سورة طه: 39]. ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى [ سورة طه: 129]. وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم [ سورة الأنبياء: 83، 84]. وقوله: وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين [ سورة الأنبياء: 87، 88]. وقوله وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه [ سورة الأنبياء: 88 - 89] وقوله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا [ سورة الفرقان: 59]، وقوله: فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها [ سورة النمل: 80]. وقوله: فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين [ سورة القصص: 30]. وقوله تعالى: إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون [ سورة يس: 88] وقوله تعالى: ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون [ ص: 119 ] "الصافات: 171 - 173]. وقوله تعالى: وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون [ سورة الزمر: 67]. وقوله تعالى: هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون [ سورة غافر: 68]. وقال ربكم ادعوني أستجب لكم [ سورة غافر: 60] ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب [ سورة الشورى: 14]. وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء [ سورة الشورى: 51]، وقوله تعالى: فلما آسفونا انتقمنا منهم [ سورة الزخرف: 55]. وقوله: قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما [ سورة المجادلة: 1].
قلت: وفي القرآن مواضع كثيرة تدل على هذا الأصل، كقوله تعالى: هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم [ سورة البقرة: 29]، وقوله: قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين إلى قوله: ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين [ سورة فصلت: 9 - 11]، وقوله: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام [ سورة البقرة: 210] وقوله: [ ص: 120 ] هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك [ سورة الأنعام: 158]، وقوله: وجاء ربك والملك صفا [ سورة الفجر: 22]، وقوله تعالى: وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون [ سورة التوبة: 105]، وقوله: ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون [ سورة يونس: 14]، وقوله تعالى: إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش [ سورة الأعراف: 54] في غير موضع في القرآن، وقوله تعالى: إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون [ سورة النحل: 40]. وقوله تعالى: وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها [ سورة الإسراء: 16]، وقوله تعالى: وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال [ سورة الرعد: 11]. وقوله تعالى: كل يوم هو في شأن [ سورة الرحمن: 29]، وقوله تعالى: ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين [ سورة القصص: 65]، وقوله تعالى: ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون [ سورة القصص: 62]، وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين [ سورة الشعراء: 10]، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة [ سورة الأعراف: 22]، وقوله [ ص: 121 ] تعالى: قال كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون [ سورة الشعراء: 15]، وقوله: سلام قولا من رب رحيم [ سورة يس: 58] وقوله تعالى: الله نزل أحسن الحديث [ سورة الزمر: 23]، وقوله: فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون [ سورة الجاثية: 6]، وقوله: فبأي حديث بعده يؤمنون [ سورة المرسلات: 50]، وقوله: ومن أصدق من الله حديثا [ سورة النساء: 87].
وأمثال ذلك كثير في كتاب الله تعالى، بل يدخل في ذلك عامة ما أخبر الله به من أفعاله، لا سيما المرتبة، كقوله تعالى: ولسوف يعطيك ربك فترضى [ سورة الضحى: 5]، وقوله: فسنيسره لليسرى [ سورة الليل: 10]، وقوله: إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم [ سورة الغاشية: 25 - 26]، وقوله: إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه [ سورة القيامة: 17 - 19]، وقوله: فسوف يحاسب حسابا يسيرا [ سورة الانشقاق: 8]، وقوله: أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا [ سورة عبس: 25، 26]. وقوله تعالى: وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه [ سورة الروم: 27]، وقوله ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين [ سورة المرسلات: 16 - 17] ونحو ذلك. [ ص: 122 ]
لكن الاستدلال بمثل هذا مبني على أن الفعل ليس هو المفعول، والخلق ليس هو المخلوق، وهو قول جمهور الناس على اختلاف أصنافهم، وقد قرر هذا في غير هذا الموضع.
ثم هؤلاء على قولين: وإن قيل إن نوعه قديم، فهؤلاء يحتجون بما هو الظاهر المفهوم من النصوص. منهم من يقول: إن الفعل قديم لازم للذات لا يتعلق بمشيئته وقدرته، ومنهم من يقول: يتعلق بمشيئته وقدرته،
وإذا تأول من ينازعهم أن المتجدد إنما هو المفعول المخلوق فقط من غير تجدد فعل، كان هذا بمنزلة من يتأول نصوص الإرادة والحب والبغض والرضا والسخط، على أن المتجدد ليس أيضا إلا المخلوقات التي تراد وتحب وترضى وتسخط، وكذلك نصوص القول والكلام والحديث، ونحو ذلك: على أن المتجدد ليس إلا إدراك الخلق لذلك، وتأويل الإتيان والمجيء على أن المتجدد ليس إلا مخلوقا من المخلوقات.
فهذه التأويلات كلها من نمط واحد، ولا نزاع بين الناس أنها خلاف المفهوم الظاهر الذي دل عليه القرآن والحديث.