قيل: يجب أن يقارن الأثر للمؤثر ولتأثيره، بحيث لا يتأخر الأثر عن التأثير في الزمان، فلا يتعقبه ولا يتراخى عنه، وهذا قول هؤلاء الدهرية، القائلين بأن العالم قديم عن موجب قديم، وقولهم أفسد الأقوال الثلاثة، وأعظمها تناقضا، فإنه إذا كان الأثر كذلك لزم أن لا يحدث في العالم شيء، فإن العلة التامة إذا كانت تستلزم مقارنة معلولها لها في الزمان، وكان الرب علة تامة في الأزل - لزم أن يقارنه [ ص: 63 ] كل معلول، وكل ما سواه معلول له: إما بواسطة، وإما بغير واسطة، فيلزم أن لا يحدث في العالم شيء.
وأيضا، فما يحدث من الحوادث بعد ذلك يفتقر إلى علة تامة مقارنة له، فيلزم تسلسل علل. أو تمام علل ومعلولات في آن واحد. وهذا باطل بصريح العقل واتفاق العقلاء. وإن قدر أن الرب لم يكن علة تامة في الأزل بطل قولهم.
وقيل: بل يجب تراخي الأثر عن المؤثر التام، كما يقوله أكثر أهل الكلام، ويلزم من ذلك أن يصير المؤثر مؤثرا تاما، بعد أن لم يكن مؤثرا تاما، بدون سبب حادث، أو أن الحوادث تحدث بدون مؤثر تام، وأن الممكن يرجح وجوده على عدمه بدون المرجح التام.
وهذا قول كثير من أهل الكلام، منهم من يقول: القادر يرجح أحد المقدورين بلا مرجح.
ومنهم من يقول: بل يرجح بالإرادة القديمة الأزلية.
ومن هؤلاء وهؤلاء من يقول: بل يرجح مع كون الرجحان أولى لا مع وجوبه، وهو قول محمود الخوارزمي من الأولين، وهو قول محمد بن الهيصم الكرامي وغيره من الآخرين؛ فإن الكرامية مع الأشعرية والكلابية يقولون: ويقولون: إن الإرادة لا توجب المراد. لكن منهم من يقول: من شأن الإرادة أن ترجح بلا مزية للترجيح، بل مع تساوي الأمرين، كما [ ص: 64 ] تقوله المرجح هو الإرادة القديمة الأزلية، الأشعرية، ومنهم من يقول: ترجيح أولوية الترجيح، وهذا قول الكرامية.