قلت: هذا القاضي هو المقدم على أبناء جنسه. وهذا منتهى كلامه في هذا الموضع، الذي هو عندهم أصل الدين، الذي جعلوه أصلا لرد ما خالفه من النصوص النبوية، ولما خالفه من مذاهب الدهرية.
والمنازعون من أئمة السنة وأئمة الفلسفة يقولون لهم: ما ذكرتموه ليس فيه إلا مجرد الدعوى المبنية على عدم تصور النزاع، فإن قولكم: لا يخلو ما مضى من الحوادث أن يكون موجودا عن أول، أو يكون فيها ما هو غير موجود عن أول - جوابه: أن ما مضى من الحوادث يراد به كل فرد بعينه، ويراد به النوع المتعاقب شيئا بعد شيء.
فإن كان المراد كل واحد واحد من الحوادث، فليس فيها شيء قديم، بل كل منها كائن بعد أن لم يكن. [ ص: 343 ]
وإن كان مرادك النوع المتعاقب شيئا بعد شيء، فليس له أول، وليس هو حادثا، بل النوع قديم من أن كل فرد من أفراده حادث. وأنت لم تذكر دليلا على امتناع هذه ألبتة، وإنما ذكرت أنه ليس فيها شيء قديم، وهذا مسلم لا نزاع فيه.
وقلت: فإن كان الماضي من الحوادث مستفتحا مبتدأ، قد أتى الفراغ عليه استحال قولكم: إنها لم تزل موجودة شيئا قبل شيء، لأن ما لم يزل فقديم غير مستفتح.
فيقال لك: كل واحد منها مستفتح مبتدأ. ولكن لم قلت: إنه إذا كان كذلك استحال قول القائل: إنها لم تزل موجودة شيئا قبل شيء، لأن ما لم يزل فقديم غير مستفتح؟.
فإن هذا القائل يقول: إن الذي لم يزل، إنما هو الجنس المتعاقب شيئا بعد شيء، وأما كل واحد واحد من تلك الحوادث فلا يقول عاقل: إنه لم يزل.