ومنهم من يحكي إثبات الإرادة عنهم مطلقا، كما اختاره عنهم، فإنه قال في تهافت التهافت: استفتح ابن رشد هذا الفصل بأن حكى عن الفلاسفة شيئا شنيعا، وهو أن الباري ليس له إرادة، لا في الحادث، ولا في الكل، لكون فعله صادرا عن ذاته ضرورة، كصدور الضوء من الشمس. أبو حامد
ثم يحكي عنهم أنهم قالوا: من كونه فاعلا يلزم أن يكون عالما.
قال: والفلاسفة ليس ينفون الإرادة عن الباري تعالى، ولا يثبتون له الإرادة البشرية؛ لأن البشرية إنما هي لوجود نقص في المريد، وانفعال عن المراد.
فإذا وجد المراد له تم النقص، وارتفع ذلك الانفعال المسمى إرادة.
وإنما يثبتون له من لا ضروريا طبيعيا؛ إذ ليس عن طبيعة العلم صدور الفعل عنه، كما حكى هو عن الفلاسفة؛ لأنا إذا قلنا: يعلم الضدين، لزم أن يصدر عنه الضدان معا، وذلك محال. معنى الإرادة أن [ ص: 142 ] الأفعال الصادرة عنه هي صادرة عن علم، وكل ما صدر عن علم وحكمة، فهو صادر بإرادة الفاعل،
فصدور أحد الضدين عنه، يدل على صفة زائدة على العلم، وهي الإرادة.