وجماع ذلك أن الدور نوعان، والتسلسل نوعان.
أما الدور: فقد يراد به أنه لا يوجد هذا إلا مع هذا، ولا هذا إلا مع هذا، ويسمى هذا الدور المعي الاقتراني. ويراد به أنه لا يوجد هذا إلا بعد هذا، ولا هذا إلا بعد هذا، ونحو ذلك، وهو الدور البعدي.
فالأول ممكن، كالأمور المتضايفة، مثل البنوة والأبوة، وكالمعلولين لعلة واحدة، وسائر الأمور المتلازمة التي لا يوجد الواحد منها إلا مع الآخر، كصفات الخالق سبحانه المتلازمة، وكصفاته مع ذاته، وكسائر الشروط، وكغير ذلك مما هو من باب الشرط والمشروط.
وأما الثاني فممتنع، فإنه إذا كان هذا لا يوجد إلا بعد ذاك، وذاك لا يوجد إلا بعد هذا، لزم أن يكون ذاك موجودا قبل هذا، وهذا قبل ذاك، فيكون كل من هذا وذاك موجودا قبل أن يكون موجودا، فيلزم [ ص: 144 ] اجتماع الوجود والعدم غير مرة، وذلك كله ممتنع.
ومن هذا الباب أن يكون هذا فاعلا لهذا، أو علة فاعلة أو علة غائية، ونحو ذلك، لأن وكذلك العلة الفاعلة لا تكون علة فاعلة لنفسها، فكيف لعلة نفسها؟ وكذلك العلة الغائية التي يوجدها الفاعل هي مفعولة للفاعل ومعلولة في وجودها له لا لنفسها، فإذا لم تكن معلولة لنفسها فكيف تكون معلولة لمعلول نفسها؟ الفاعل والعلة ونحو ذلك يمتنع أن يكون فاعلا لنفسه، فكيف يكون فاعلا لفاعل نفسه؟
فهذا ونحوه من الدور المستلزم تقدم الشيء على نفسه، أو على المتقدم على نفسه، وكونه فاعلا لنفسه المفعولة، أو لمفعول مفعول نفسه، أو علة لنفسه المعلولة، أو لمعلول معلول نفسه، أو معلولا مفعولا لنفسه، أو لمعلول نفسه، ومفعول نفسه - كل ذلك ممتنع ظاهر الامتناع، ولهذا اتفق العقلاء على امتناع ذلك.