وقد بلغني بإسناد متصل عن بعض رؤوسهم وهو صاحب "كشف الأسرار في المنطق" وهو عند كثير منهم غاية في هذا الفن أنه قال عند الموت: "أموت وما علمت شيئا إلا أن الممكن يفتقر إلى الواجب". ثم قال: "الافتقار وصف عدمي، أموت وما علمت شيئا". الخونجي
وذكر الثقة عن هذا أنه قال: "أمعنت النظر في الكلام وما استفدت منه شيئا إلا ما عليه العوام" أو كلاما هذا معناه. [ ص: 263 ] الآمدي
وذلك أن هذا لم يقرر في كتبه لا التوحيد ولا حدوث العالم، ولا إثبات واجب الوجود بل ذكر في التوحيد طرقا زيفها، وذكر طريقة زعم أنه ابتكرها، وهي أضعف من غيرها. الآمدي
وكان صاحب "الفصوص" و "الفتوحات" وغيرهما يعظم طريقته ويقول: إن الطريقة التي ابتكرها في التوحيد طريقة عظيمة، أو ما هو نحو هذا، حتى أفضى الأمر ببعض أعيان القضاة الذين نظروا في كلامه إلى أن قال: التوحيد لا يقوم عليه دليل عقلي، وإنما يعلم بالسمع، فقام عليه أهل بلده، وسعوا في عقوبته، وجرت له قصة. ابن عربي
وكذلك الأصبهاني اجتمع بالشيخ إبراهيم الجعبري يوما فقال له: "بت البارحة أفكر إلى الصباح في دليل على التوحيد سالم عن المعارض فما وجدته".
وكذلك حدثني من قرأ على ابن واصل الحموي أنه قال: "أبيت بالليل واستلقي على ظهري وأضع الملحفة على وجهي، وأبيت [ ص: 264 ] أقابل أدلة هؤلاء بأدلة هؤلاء وبالعكس، وأصبح وما ترجح عندي شيء". كأنه يعني أدلة المتكلمين والفلاسفة.
وقد بسطنا في التوحيد وأدلته في غير هذا الموضع، وذكرنا أن الناس قبلنا قد ذكروا له من الأدلة العقلية اليقينية ما شاء الله، ولكن الإنسان يريد أن يعرف ما قاله الناس، وما سبقوا إليه، وبينا أيضا أن القرآن ذكر من ذلك ما هو خلاصة ما ذكره الناس، وفيه من بيان توحيد الإلهية ما لم يهتد إليه كثير من النظار ولا العباد، بل هو الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه.