ولهذا قال في كتابه "الإبانة": "فإن [قال] قائل: قد أنكرتم قول أبو الحسن الأشعري الجهمية والقدرية والحرورية والرافضة والمرجئة فعرفونا قولكم الذي به تقولون، وديانتكم التي بها تدينون. قيل له: قولنا الذي نقول به، وديانتنا التي بها ندين: التمسك بكتاب ربنا، وسنة نبينا، وبما روي عن الصحابة والتابعين، وبما كان يقول به قائلون، ولما خالف قوله مجانبون، فإنه الإمام الفاضل، والرئيس الكامل، الذي أبان [ ص: 7 ] الله به الحق، وأوضح به المنهاج، وقمع به بدع المبتدعين، وزيغ الزائغين، وشك الشاكين، فرحمة الله عليه من إمام معظم، وكبير مفهم، وعلى جميع أئمة المسلمين". أبو عبد الله أحمد بن حنبل
والمقصود هنا أن صفوة أولياء الله تعالى الذين لهم في الأمة لسان صدق، من سلف الأمة وخلفها، هم علىوهم من أبعد الناس عن مذاهب أهل الإلحاد، من أهل الحلول والوحدة والاتحاد، وإن كان كثير من متأخري مذهب أهل السنة والجماعة، أهل الإثبات للأسماء والصفات، الصوفية دخلوا في مذاهب الإباحة والحلولية، وخلطوا التصوف بالفلسفة اليونانية، كما خلطه بعضهم بشيء من أقوال أهل الكلام الجهمية.
ومبدأ هذا من أقوال الذين يعارضون النصوص بآرائهم، كما ذكر في أول كتابه في "الملل والنحل" أن مبدأ أنواع كل الضلالات هو من تقديم الرأي على النص، واختيار الهوى على الشرع، فسرى في المنتسبين إلى العلم والدي، من أهل الفقه والكلام والتصوف - من أقوال الملاحدة - بسبب هذا الأصل ما لا [ ص: 8 ] يعلمه إلا الله. وأما ملاحدة الشهرستاني الشيعة - من القرامطة الباطنية والإسماعيلية والنصيرية ونحوهم - فأولئك أمرهم أظهر من أن يخفى على من عرف حالهم، ممن فيه نوع إيمان بالله ورسوله. ولهذا كثر الكاشفون لأسرارهم، الهاتكون لأستارهم، من جميع أصناف أهل القبلة، حتى الشيعة والمعتزلة ونحوهم، فإنهم متفقون على تكفيرهم، كما اتفق على تكفيرهم أئمة السنة، ومن انتسب إليهم من متكلمة الإثبات وغيرهم.