فيقال: هذا وما أشبه هو الذي يقال في هذا المقام من جهة من يفرق بين بعض الصفات وبعض، كما يفرق بين الصفة والقدر، ومن تدبره علم أنه لا يمكن الفرق.
وذلك من وجوه:
أحدها: أن ما ذكره ليس فيه جواب عن الإلزام والمعارضة، فإنهم وما زاد على ذلك سواء نفي ثبوته أو نفي [ ص: 379 ] العلم به لا يضر، فإن السؤال قائم، إلا أن يثبت المثبت صفات لا نهاية لعددها، وهذا ينقض قاعدة من يقول: إنه لا يوجد ما لا نهاية له، وإلا فإذا أثبت الصفات متناهية كانت المعارضة متوجهة، سواء عرف عددها أو لم يعرف، وتفريق من فرق بين الصفات الذاتية والعرضية بأن هذه تفتقر إلى فاعل دون الأخرى لا يصح، لأن هذا إنما يجيء على قول من يقول: الماهيات غير مفعولة ولا مجعولة، كما يقول ذلك من يقوله من المتفلسفة ونحوهم، وإلا عارضوه بإثبات صفات متعددة، سواء كانت ثمانيا أو أكثر أو أقل، فإن اختصاص الصفات بعدد من الأعداد كاختصاص الذات بقدر من الأقدار، وإذا كان المسمي لا يسمي ذلك عددا فمنازعه لا يسمي الآخر قدرا، وليس الكلام في الإطلاقات اللفظية، بل في المعاني العقلية، وما سوى ذلك فإنما هو الصورة العلمية، وما في الأذهان من ذلك فالله تعالى هو الذي جعله فيها، والله سبحانه هو الذي خلق فسوى، وهو الذي قدر فهدى، وهو الذي خلق، خلق الإنسان من علق، وهو الذي علم بالقلم، علم الإنسان مالم يعلم، وهو الذي خلق الإنسان علمه البيان. فأهل السنة ومتكلموهم متفقون على أن حقائق جميع المخلوقات مخلوقة مصنوعة، بل ليس لها حقيقة في الخارج إلا ما هو موجود في الخارج،
فقوله: «الصفات الذاتية لا تثبت للشيء مضافة إلى الفاعل» قول باطل، بل صفة كل موصوف مخلوق مضافة إلى الله تعالى، فإنه خلق كل موصوف بصفاته، وليس في المخلوق شيء لا من ذاته ولا من صفاته إلا والله تعالى خلقه وأبدعه.