والجواب السادس: عن أصل الحجة أن يقال: لا نسلم أن العقل ينافي موجب هذه النصوص، بل هذه المعقولات النافية لذلك فاسدة، كما تقدم التنبيه على فسادها، فضلا عن أن يكون المعقول المنافي لها هو الأصل في العلم بالسمع، فإن وقد علم جواب أهل الإثبات عن هذه الحجة، فإن منهم من منع المقدمة الأولى، مثل كثير من أهل الكلام والفلسفة، وغيرهما من أصحاب غاية هذه المعقولات أن يقال: لو كان فوق العالم لكان جسما وذلك منتف، ابن كلاب وأهل الفقه والحديث والتصوف، من أصحاب والأشعري، مالك والشافعي وأحمد وغيرهم، والفلاسفة كما ذكر وأبي حنيفة ونحوه. ومنهم من منع الثانية، ابن رشد كالهشامية والكرامية وغيرهما، ومنهم من فصل عن معنى الجسم. [ ص: 131 ]
فإن قيل: إن معناه ما ليس بلازم للعلو، مثل كونه مماثلا للمخلوقات - منع الأولى.
فإن قيل: إن معناه لازم للعلو، مثل كونه مشارا إليه - منع الثانية.
فهو يقول: إنه فوق العالم قطعا، كما علم ذلك بالعقل والسمع.
فإذا قيل: لو كان فوقه لكان جسما، فالمراد بمعنى الجسم: إما أن يكون لازما للعلو، وإما أن لا يكون لازما. فإن كان لازما لا محالة، منعت المقدمة الثانية، وهي انتفاء اللازم. وإن لم يكن لازما، منعت المقدمة الأولى وهي التلازم.
وكل ما يقال في هذا المقام من الألفاظ المجملة مثل لفظ "المتحيز" و "المركب ونحو ذلك يستفصل عن معناه، كما يستفصل عن معنى لفظ "الجسم" ، فإذا تلخص محل النزاع في معنى معقول، مثل كون المراد بذلك ما تقوم به الصفات، أو ما يتميز منه شيء عن شيء، ونحو ذلك من المعاني - لم يسلم انتفاء ذلك، بل نقول: هذا لا بد من ثبوته بالعقل الصريح، كما دل عليه النقل الصحيح.