فأما ذم السلف والأئمة لهذا الكلام فمشهور كثير. وقد قال في كتابه المعروف بـ "تبيين كذب المفتري فيما ينسب إلى أبو القاسم بن عساكر (فإن قيل: غاية ما تمدحون به الأشعري": أبا الحسن أن تثبتوا أنه [ ص: 243 ] متكلم، وتدلونا على أنه بالمعرفة برسوم الجدل متوسم، ولا فخر في ذلك عند العلماء من ذوي التسنن والاتباع، لأنهم يرون [أن] من تشاغل بذلك من أهل الابتداع، فقد حفظ عن غير واحد من علماء الإسلام عيب المتكلمين، ولو لم يذمهم غير وذم أهل الكلام، لكفى، فإنه قد بالغ في ذمهم وأوضح حالهم وشفى، وأنتم تنتسبون إلى مذاهبه، فهلا اقتديتم في ذلك به) . الشافعي
ثم روى بإسناده عن ابن عساكر الفريابي، حدثني سمعت بشر ابن الوليد أبا يوسف يقول: من طلب الدين بالكلام تزندق، ومن طلب غريب الحديث كذب، ومن طلب المال بالكيمياء أفلس. قال وروي هذا أيضا عن البيهقي، وقال: قال مالك بن أنس، وإنما يريد - والله أعلم - بالكلام [ ص: 244 ] كلام أهل البدع، فإن في عصرهما إنما كان يعرف بالكلام أهل البدع، فأما أهل السنة فقلما كانوا يخوضون في الكلام حتى اضطروا إليه بعد) . البيهقي:
قال (وأما قول ابن عساكر: فأخبرنا فلان - وذكر من كتاب مناقب الشافعي: لـ الشافعي عبد الرحمن بن أبي حاتم: ثنا سمعت يونس بن عبد الأعلى، يقول: لأن يبتلى المرء بكل ما نهى الله عنه - سوى الشرك - خير له من الكلام، ولقد اطلعت من أهل الكلام على شيء ما ظننت أن مسلما يقول ذلك. قال الشافعي ابن أبي حاتم ثنا قال: قال أحمد بن أصرم المزني سمعت أبو ثور: يقول: ما تردى أحد بالكلام فأفلح. . . [ ص: 245 ] الشافعي
وقال ابن أبي حاتم: ثنا الربيع، قال رأيت وهو نازل من الدرجة وقوم في المجلس يتكلمون بشيء من الكلام. الشافعي
فصاح فقال: إما أن تجاورونا بخير، وإما أن تقوموا عنا) . وروي أيضا (عن ابن عبد الحكم: سمعت يقول: لو علم الناس ما في الكلام في الأهواء لفروا منه كما يفر من الأسد) . الشافعي
قال (فإنما عنى ابن عساكر: الكلام البدعي المخالف عند اعتباره للدليل الشرعي) . الشافعي
قال: (وقد بين في روايته هذه الحكاية عن زكريا بن يحيى الساجي الربيع أنه أراد بالنهي عن الكلام قوما تكلموا في القدر، ولذلك حكم بالتبديع، ويدل عليه ما أخبرنا فلان) . وروى بإسناده (عن سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة: يقول: جئت يونس بن عبد الأعلى: بعد ما كلم الشافعي حفصا الفرد، فقال: غبت عنا يا [ ص: 246 ] أبا موسى، لقد اطلعت من أهل الكلام على شيء والله ما توهمته قط، ولأن يبتلى المرء بكل ما نهى الله عنه ما خلا الشرك بالله، خير له من أن يبتلى بالكلام) .
قال: إنما عنى بمقالته كلام (فالشافعي حفص القدري وأمثاله) .
قلت: حفص الفرد لم يكن من القدرية، وإنما كان على مذهب وهو من المثبتين للقدر، لكنه من نفاة الصفات، وكان أقرب إلى الإثبات من ضرار بن عمرو الكوفي، المعتزلة والجهمية.