وأما قدماء الفلاسفة فلم يكونوا يثبتون واجب الوجود بهذه الطريقة، بل بطريقة الحركة، فلما جاء يعترض على ابن رشد الحفيد فيما ذكره، لم يمكنه الانتصار أبي حامد بل بين أن هذه الطريقة التي سلكها ضعيفة كما ذكر لابن سينا، واحتج هو بطريقة أخرى ظن أنها قوية، وهي أضعف من طريقة أبو حامد، فإن ابن سينا، أبا حامد لما ذكر القول المضاف إلى الفلاسفة وأمثاله، وذكر أنهم ينفون تلك الأنواع الخمسة، قال: «ومع هذا فإنهم كابن سينا [ ص: 391 ] يقولون للباري تعالى أنه مبدأ وأول وموجود وجوهر واحد، وقديم وباق وعالم وعاقل وعقل ومعقول وفاعل وخالق ومريد وقادر وحي وعاشق ومعشوق ولذيذ وملتذ وجواد وخير محض، وزعموا: أن كل ذلك عبارة عن معنى واحد لا كثرة فيه».
قال: «وهذا من العجائب»........ «وهم يقولون: ذات المبدأ الأول واحد وإنما تكثر الأسماء بإضافته إلى شيء أو إضافة شيء إليه، أو سلب شيء عنه، والسلب والإضافة لا يوجب كثرة في ذات المسلوب عنه، ولكن الشأن في رد هذه كلها إلى السلوب والإضافات» وذكر تمام قولهم.
قال «فيقال لهم: بم عرفتم استحالة الكثرة من هذا الوجه وأنتم مخالفون من جميع المسلمين سوى المعتزلة، فما البرهان عليه؟ فإن قول القائل: الكثرة محال في واجب الوجود مع كون الصفات الموصوفة واحدة، يرجع إلى أنه يستحيل كثرة الصفات فيه، وفيه النزاع، وليس [ ص: 392 ] استحالته معلوما بالضرورة. ولهم مسلكان: أحدهما: أن كل واحد من الصفة والموصوف: إن كان مستغنيا عن الآخر فهما واجبا الوجود، وإن كان مفتقرا إليه فلا يكون واحد منهما واجب الوجود، وإن احتاج أحدهما إلى الآخر فهو معلول والآخر هو الواجب، وأيهما كان معلولا افتقر إلى سبب فيؤدي إلى أن ترتبط ذات واجب الوجود بسبب. أبو حامد:
قال «المختار من هذه الأقسام هو الأخير، ولكن إبطالكم القسم الأول لا دليل لكم عليه، فإن برهانكم عليه إنما يتم بنفي الكثرة من هذه المسألة، فكيف تنبني هذه المسألة على تلك؟» أبو حامد: