لما اعتمد في مناظرته للقائلين بالعلو والمباينة والصفات الفعلية ونحو هؤلاء على هذه الطريقة أورد على نفسه من اللوازم ما [ ص: 373 ] اعترف معه بالحيرة، فلما احتج بأن الاختصاص بالقدر يقتضي مخصصا، والاختصاص بالجهة يقتضي مخصصا، قال: «فإن قيل: بم تنكرون على والشهرستاني وذلك لأن الجواز في الجائزات إنما يعرف بتقدير القدرة عليها، فلما كانت المقادير المخلوقة مقدورة عرف جوازها، واحتاج الجواز إلى مرجح، فإذا لم يكن فوق الباري تعالى قادر يقدر عليه لم يمكن إضافة الجواز إليه وإثبات الاحتجاج له، ألسنا اتفقنا على أن الصفات ثمان، أفهي واجبة له على هذا العدد، أم جائز أن توجد صفة أخرى؟ فإن قلتم: يجب الانحصار في هذا العدد كذلك، نقول: الاختصاص بالحد المذكور واجب له، إذ لا فرق بين مقدار في الصفات عدا ومقدار في [ ص: 374 ] الذات حدا، وإن قلتم: جائز أن توجد صفة أخرى فما الموجب للانحصار في هذا العدد والحد، فيحتاج إلى مخصص حاصر؟» ثم قال: «قلنا: المقادير من حيث إنها مقادير طولا وعرضا وعمقا لا تختلف شاهدا ولا غائبا في تطرق الجواز العقلي إليها واستدعاء مخصص». من يقول: القدر الذي اختص به نهاية وحدا واجب له لذاته، فلا يحتاج إلى مخصص، بخلاف مقادير الخلق فإنها احتاجت إلى ذلك لأنها جائزة،
فيقال له: فالقول فيما اختصت به من المقدار كالقول فيما اختصت به من سائر الصفات، وما اختصت به من الحقيقة الموصوفة بتلك الصفات. هذا الذي قلته هو أول المسألة، فإن المقادير من حيث هي هي لا وجود لها في الخارج، كما أن الصفات والذوات من حيث هي هي لا وجود لها في الخارج، وإنما يوجد في الخارج ذات مخصوصة بصفاتها المخصوصة،