فقال في بعض كتبه: (قال بعض أصحابنا: أول الواجبات الإقرار بالله تعالى وبرسله وكتبه ودين الإسلام. وقال أيضا: لو سأل سائل عمن ورد من الأشعري الصين ورأى الاختلاف، ماذا يلزمه؟ فقال: عنه جوابان: أحدهما: أن يلزمه [ ص: 408 ] النظر ليعرف الحق فيتبعه. والثاني: يلزمه اتباع الحق وقبول الإسلام، ثم تصحيح المعرفة بالنظر والاستدلال على أقل ما يجزئه) .
وقد تنازع أصحابه وغيرهم في والذين لا يجعلونه فرضا على الأعيان، منهم من يقول: الواجب هو الاعتقاد الجازم. ومنهم من يقول: بل الواجب العلم، وهو يحصل بدونه. كما ذكر ذلك غير واحد من النظار من أصحاب النظر في قواعد الدين: هل هو من فروض الأعيان، أو من فروض الكفايات؟ الأشعرية وغيرهم، كالرازي وغيرهما. والآمدي
والذين يجعلونه فرضا على الأعيان، متنازعون: هل يصح الإيمان بدونه وتاركه آثم، أم لا يصح؟ على قولين. والذين جعلوه شرطا في الإيمان، أو أوجبوه، ولم يجعلوه شرطا اكتفوا بالنظر الجملي دون القدرة على العبارة والبيان، ولم يوجب العبارة والبيان إلا شذوذ من أهل الكلام.
ولا ريب أن المؤمنين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابة والتابعين، لم يكونوا يؤمرون بالنظر الذي ذكره أهل الكلام المحدث، كطريق الأعراض والأجسام.
لكن هل يقال: مجرد الاعتقاد الجازم كان كافيا لهم؟ أم لا بد من علم يحصل بالنظر؟ أم يحصل علم ضروري بغير الطريقة النظرية؟ فهذا مما تنوزع فيه. [ ص: 409 ]