قال وأما ابن رشد: صفة السمع والبصر فإنما أثبتهما الشرع لله تبارك وتعالى من قبل أن السمع والبصر يختصان بمعان مدركة في الموجودات، ليس يدركها العقل.
ولما كان الصانع من شرطه أن يكون مدركا لكل ما في المصنوع، وجب أن يكون له هذان الإدراكان، فواجب أن يكون عالما بمدركات البصر، وعالما بمدركات السمع؛ إذ هي مصنوعات له، وهذه كلها منبهة على وجودها للخالق سبحانه في الشرع، من جهة تنبيهه على وجوب العلم به.
وبالجملة، فما يدل عليه اسم الإله واسم المعبود يقتضي أن يكون مدركا لجميع الإدراكات؛ لأنه من العبث أن يعبد الإنسان ما لا يدرك أنه عابد له. [ ص: 225 ]
كما قال تعالى: يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا [مريم: 42]. وقال: أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم [الأنبياء: 66].
فهذا القدر، مما يوصف الله به ويسمى به، هو القدر الذي قصد الشرع أن يعلمه الجمهور، لا غير ذلك.
قلت: السمع والبصر ليسا مجرد علم بالمسموع والمرئي، وإن استلزما ذلك، على ما هو المعروف من قول أئمة السنة. والقصد الذي عرفه الشرع أكثر من هذه الصفات. ولكن لما أراد صاحب هذا الكلام أن يبين الطرق الشرعية لإثبات ما أثبته المتكلمون من الصفات، تبعهم في هذا.