قال: "الرابع : لوجهين: الأول : أنه يكون مفتقرا إلى كل واحد من تلك الأجزاء، ضرورة استحالة وجود المركب دون أجزائه ، وكل منها غير [ ص: 220 ] مفتقر إليه، وما افتقر إلى غيره كان ممكنا لا واجبا لذاته ، وقد قيل: إنه واجب لذاته" . أنه لو كان جسما لكان مركبا من الأجزاء ، وهو محال
قلت : ولقائل أن يقول: هذا باطل من وجوه :
أحدها : أن الذين قالوا: إنه جسم لا يقول أكثرهم: إنه مركب من الأجزاء ، بل ولا يقولون : إن كل جسم مركب من الأجزاء، فالدليل على امتناع ما هو مركب من الأجزاء فقط، لا يكون حجة على من قال: إنه ليس بمركب ، وإن كان بناء على أن كل جسم مركب ، فهذا ممنوع .
وإن قيل: لا نعني بالأجزاء أجزاء كانت موجودة بدونه ، وإنما نعني بها أنه لا بد أن يتميز منه شيء عن شيء .
قيل: فحينئذ لا يلزم أن يكون ذلك الذي يمكن أن يصير جزءا غير مفتقر إليه، إذ هو لا بد منه في وجود الجملة ، وليس موجودا دونها ، فالجملة لا تستغني عنه ، وهو أيضا لا يستغني عنها ، فتكون الحجة باطلة .
الثاني : أن يقال: ما تعني بقولك: "إنه يكون مفتقرا إلى كل واحد من تلك الأجزاء؟" أتعني أنه يكون مفعولا للجزء أو معلولا لعلة فاعلة؟ أو تعني أنه يكون وجوده مشروطا بوجود الجزء ، [ ص: 221 ]
بحيث لا يوجد أحدهما إلا مع الآخر ، فإن ادعيت الأول كان التلازم باطلا ، فإنه من المعلوم أن الأجسام التي خلقها الله تعالى ليس شيء من أجزائها فاعلا لها ولا علة فاعلة لها ، فإذا لم يكن شيء من المركبات المخلوقة جزؤه فاعلا له ولا علة فاعلة له ، كان دعوى أن ذلك قضية كلية من أفسد الكلام ، فإنه لا يعلم ثبوتها في شيء من الجزئيات المشهودة ، فضلا عن أن تكون كلية .
وإن قيل: نعني بالافتقار أنه لا يوجد هذا إلا مع هذا .
قيل: ولم قلتم: إن مثل هذا ممتنع على الواجب بنفسه؟ فإن الممتنع عليه أن يكون فاعلا، أو علة فاعلة، إذ قيل بإمكان علة فاعلة لا تفعل بالاختيار. فأما كونه لا يكون وجوده مستلزما للوازم لا يكون موجودا إلا بها ، فالواجب بنفسه لا ينافي ذلك ، سواء سميت صفات أو أجزاء أو ما سميت .