والناس لهم في استلزام المؤثر أثره قولان:
فإنه يقول: المؤثر التام لا يجب أن يكون أثره معه، بل يجوز تراخيه، ويقول: إن القادر المختار يرجح أحد مقدوريه بمجرد قدرته التي لم تزل، أو بمجرد مشيئته التي لم تزل، وإن لم يحدث عند وجود الحادث سبب. فمن قال: إن الحادث يحدث في الفاعل بدون سبب حادث
والقول الثاني: أن المؤثر التام يستلزم أثره.
لكن في معنى هذا الاستلزام قولين: [ ص: 367 ] أحدهما: أن يكون معه، بحيث يكون زمان الأثر زمان المؤثر، فهذا هو الذي تقوله المتفلسفة، وهو معلوم الفساد بصريح العقل عند جمهور العقلاء.
والثاني: أن يكون الأثر عقب تمام المؤثر، وهذا يقر به جمهور العقلاء وهو يستلزم أن لا يكون في العالم شيء قديم، بل كل ما فعله القديم الواجب بنفسه، فهو محدث.
وإن قيل: إنه لم يزل فعالا، وإن قيل بدوام فاعليته، فذلك لا يناقض حدوث كل ما سواه، بل هو مستلزم لحدوث كل ما سواه، فإن كل مفعول فهو محدث، فكل ما سواه مفعول، فهو محدث مسبوق بالعدم، فإن المسبوق بغيره سبقا زمانيا لا يكون قديما، والأثر المتعقب لمؤثره، الذي زمانه عقب زمان تمام مؤثره، ليس مقارنا له في الزمان، بل زمنه متعقب لزمان تمام التأثير، كتقدم بعض أجزاء الزمان على بعض وليس في أجزاء الزمان شيء قديم، وإن كان جنسه قديما، بل كل جزء من الزمان مسبوق بآخر، فليس من التأثيرات المعينة تأثير قديم، كما ليس من أجزاء الزمان جزء قديم.
فمن تدبر هذه الحقائق، وتبين له ما فيها من الاشتباه والالتباس: تبين له محارات أكابر النظار في هذه المهامه التي تحار فيها الأبصار.
والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. [ ص: 368 ]