وإن كان ممكن الوجود بنفسه، لم يوجد إلا بمبدع فاعل يبدعه، فالإبداع فعل من المبدع وصنع وأنت لم تجعل الأول إلا محبوبا فقط. أن يقال: العالم إن كان واجب الوجود بنفسه مع كونه مفتقرا إلى محبوب، كان واجب الوجود معلولا من بعض الجهات، فجاز حينئذ أن يكون المحبوب الأول، مع وجوب وجوده بنفسه من خارج ما به يصير فاعلا، فإن العالم حينئذ واجب الوجود، وله من خارج ما به يصير فاعلا.
وأيضا فإذا كان الأول فاعلا مبدعا للعالم، بما فيه من الأمور المختلفة المحدثة، امتنع أن يكون صانعا بالفعل لها في الأزل؛ لأن ذلك يستلزم وجود كل من المحدثات في الأزل وهو مكابرة للحس.
فيلزم أنه كان صانعا بالقوة، ثم صار صانعا بالفعل، من غير سبب خارج عنه؛ إذ الخارج عنه كله على هذا التقدير ممكن مفعول له، ففعله له لو توقف على تأثير فيه لزم الدور. [ ص: 290 ]
ومن تدبر هذه الوجوه وما يناسبها، تبين له فساد قول هؤلاء في رب العالمين، وأن الحق ليس إلا ما جاء عن المرسلين بالعقل الصريح المبين.