الوجه الثامن
أن يقال: اليهود عندهم نوع من المعرفة بالحق لكن بلا عمل به، بل مع بغض له ونفور عنه واستكبار. والنصارى معهم نوع من المحبة والطلب والإرادة، لكن بلا علم، بل مع ضلال وجهل، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: . رواه « اليهود مغضوب عليهم، والنصارى ضالون» وصححه. الترمذي
وأمرنا الله أن نقول في صلاتنا: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين [ سورة الفاتحة:6-7] آمين. فإن النعمة المطلقة لا تحصل إلا بمعرفة الحق واتباعه، وإذا كان كذلك، والإنسان يحتاج إلى هذا وهذا، فطرته السليمة: إما أن تكون مقتضية لمعرفة الحق دون العلم به، أو للعمل به دون معرفته، أو لهما، أو لا لواحد منهما. [ ص: 468 ]
فإن كان الرابع: فيلزم أن يستوي عندها الصدق والكذب، والاعتقاد المطابق والفاسد، وإرادة ما ينفعها وإرادة ما يضرها، وهذا خلاف ما يعلم بالحس الباطن والظاهر وبالضرورة.
وإن كان الثالث: فيلزم أن يستوي عندها مع العمل أن تعلم وأن تجهل، وأن تهتدي وأن تضل، وأن لا يكون فيها مع استواء الدواعي الظاهرة ميل إلى أحدهما، وهو أيضا خلاف المعلوم بالحس والضرورة.
وإن كان الثاني: فيلزم أن يستوي عندها إرادة الخير النافع والشر الضار دائما، إذا استوت الدواعي الخارجة. هو أيضا خلاف الحس الباطن والظاهر، وخلاف الضرورة. فتبين أنه لا يستوي عندها هذان، بل يترجح عندها هذا وهذا جميعا.
وحينئذ فلا تكون مفطورة لا على يهودية ولا على نصرانية، فعلى المجوسية أولى، ويلزم أن تكون مفطورة على الحنيفية المتضمنة لمعرفة الحق والعمل به، وهو المطلوب.