قلت: المعتزلة، هي الاستدلال على افتقار المحدث إلى المحدث بالقياس على تصرفاتنا، وأنها تحتاج إلى محدث لأجل كونها محدثة. فطريقة شيوخه الذين أشار إليهم من
وقد سلك هذه الطريقة غير المعتزلة من أصحاب وغيرهم، حتى مثل الأشعري أبي القاسم القشيري وبنوا ذلك على هذه. وأبي الوفاء بن عقيل،
وأما الطريقة التي ذكرها هو، وبناها على التقسيم الذي ذكره وهو أن [ ص: 297 ] المحدث لا يخلو من أن يحدث مع وجوب حدوثه، أو مع جواز حدوثه وجواز أن لا يحدث.
وأبطل الأول، بأنه لو كان حدوثه واجبا، لم يكن حدوثه في حال بأولى من حدوثه قبل تلك الحال، فلا يستقر حدوثه على حال، إذ كان حدوثه واجبا في نفسه. وقد قال قبل هذا: إن وجود القديم واجب، وليس بأن يجب وجوده في حال أولى من حال، فصح أنه واجب الوجود في كل حال، واستحال عدمه.
وهذا التقسيم لا يحتاج إليه، ولا إلى إبطال هذا القسم بما ذكروه، وذلك أن قول القائل: إما أن يحدث مع وجوب حدوثه، أو مع جواز حدوثه.
إما أن يريد به وجوب حدوثه بنفسه، أو وجوبه بغيره. فإن أراد به الثاني فهذا لا يمتنع، بل يجوز أن يقال: المحدث حدث مع وجوب حدوثه بالمقتضي لحدوثه لا بنفسه، أي وجد المقتضي التام لحدوثه، الذي يمتنع معه أن لا يحدث. وهذا إذا قيل، فإنه يدل على ثبوت الصانع المحدث أيضا لا ينفي ذلك، فليس في إثبات هذا القسم ما ينفي ثبوت الصانع.
ولكن هؤلاء المعتزلة قد ينازعون في كون الممكن عند وجود المقتضي التام يكون واجبا. ويقولون: لا يقع شيء من الممكنات والحوادث إلا على وجه الجواز، أو أن يكون بالوجود أولى منه بالعدم، لا على وجه الوجوب. [ ص: 298 ]
ويقولون: إن القادر المختار، سواء كان قديما أو محدثا، لا يفعل إلا مع جواز أن لا يفعل، وإنه يرجح أحد مقدوريه على الآخر بلا مرجح، وهذا مما نازعهم فيه جمهور العقلاء.
وليس المقصود هنا بيان صحة قول الجمهور، وفساد قولهم. لكن المقصود أن قولهم سواء كان صحيحا أو فاسدا، فهم يستغنون عن جعله مقدمة إثبات الصانع.
وإذا أمكن إثبات العلم بالصانع على كل تقدير، كان خيرا من إثباته على تقدير قول تنازع فيه كثير من العقلاء وهم يمكنهم إثباته بأن المحدث لا بد له من محدث، سواء قيل أنه يجب بمحدثه أو لم يقل ذلك، فلا حاجة بهم في إثباته إلى ذلك.