ولو قال قائل: فكيف تصفونها بالامتناع، مع كون كل منها ممكنا؟ أليس في هذا وصف بالامتناع للجملة دون الأفراد؟
قيل له: ولكن نقدر ذلك في الذهن، ثم نحكم على هذا المقدر في الذهن بامتناعه في الخارج، كالجمع بين النقيضين. وأمثاله من الممتنعات، بخلاف ما إذا قدر وجودها في الخارج، وكل منها ممكن. نحن لا نقدر وجود علل ومعلولات لا تتناهى في الخارج، ثم نحكم عليها بالامتناع، فإن هذا جمع بين النقيضين. فإن كونها موجودة في الخارج ينافي امتناعها،
وقيل: إن الجملة واجبة بنفسها، فهذا هو الممتنع، كما أن وصفها مع ذلك بالامتناع ممتنع، وتقديرها في الذهن لا يكفي في وجود الممكنات، لأن الممكن لا يوجد إلا بما هو موجود في الخارج لا مقدر في الذهن. وهذا بخلاف ما إذا قدر أشياء لا تتناهى كل منها بعد الآخر، لم يلزم أن تكون الجملة بعد غيرها، كالحوادث المستقبلة في الجنة، فإن كلا منها بعد غيره، وليست الجملة بعد غيرها، بل لا تزال [ ص: 161 ] إلى غير نهاية، وهذا لأن تقديرها غير متناهية يستلزم أن لا يكون بعدها شيء.
فحينئذ إذا قيل: بعد كل واحد غيره، كان التقدير أن الجملة ليس لها بعد، ولكل واحد من أجزائها بعد.
ومعلوم أن مثل هذا حكم الجملة فيه ليس حكم الأفراد، وكذلك إذ قدر أنه لا أول للجملة، ولكل منها أول.
وكذلك إذا قيل: إن الجملة كل، وجميع، ومجموع، أو مستدير، أو مربع، أو مثلث، أو حيوان، أو إنسان لم يلزم أن يكون كل من أجزائها كلا، ولا مدورا، ولا حيوانا.
ولكن الذي يبين فساد مذهب هؤلاء الفلاسفة أن يقال: قد علم بصريح العقل واتفاق العقلاء امتناع التسلسل في العلل، وأما وجود حوادث لا تتناهى فلا ننازعهم فيه مطلقا، إذ كان أئمة السنة يقولون بذلك في أفعال الرب وأقواله.
لكن تبين خطؤهم من وجوه: